حصاد فلسفی
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
ژانرها
أي أنه العلم الذي يدرس العلاقات بين عناصر الكائنات الحية وغير الحية. وقد أكدت قضية التوازن الأيكولوجي منذ الستينيات أن الناس يجب أن تعيش في حدود الموارد البيئية المحدودة، وليس ثمة شك أن المحافظة على البيئة هو الموضوع الأساسي الذي يهتم به علم الأيكولوجيا، ويحذر مما تتعرض له مناطق واسعة من البيئة الطبيعية من سوء الاستخدام والإسراف.
هناك أيضا مصطلحات بيئية خاصة مع تطور علم الأيكولوجيا الحديث، ولكن هذا البحث يقتصر على هذه المصطلحات الثلاثة فقط؛ لأنها - في رأينا - تعبر عن المراحل التاريخية للعلاقة بين الإنسان والبيئة الطبيعية، حيث يعبر المصطلح الأول (أي الطبيعة) عن الرؤية الفلسفية التي تطورت من خلالها علاقة الإنسان بالمحيط البيئي حوله. فقد كان مصطلح الطبيعة هو المفهوم الأساسي الذي يعبر عن نظرة الإنسان للعالم طوال تاريخ الفلسفة، في حين أن مفهوم البيئة الطبيعية بالمعنى المعاصر لم يكن من مصطلحات الفلاسفة لا في العصر اليوناني ولا حتى في العصور الحديثة. والواقع أن المصطلح «البيئة الطبيعة» وهو المصطلح الثاني إنما يعبر عن بداية أزمة الإنسان مع بيئته الطبيعية، تلك الأزمة التي بدأت بوادرها في أواخر القرن التاسع عشر مع تطور التقدم العلمي والتقني. ثم ظهر مصطلح الأيكولوجيا، وهو المصطلح الثالث والأخير، في الآونة الأخيرة بعد أن استفحلت أزمة الإنسان مع البيئة. فجاء علم الأيكولوجيا كأحد وسائل الإنقاذ من الأزمة. ومما لا شك فيه أن أزمة الإنسان مع بيئته الطبيعية لها جانب علمي وتكنولوجي، وتتداخل فيها عناصر كثيرة وتعالجها مجالات مختلفة تخرج عن نطاق هذا البحث، وتدخل في دوائر متخصصة وبعيدة عن المجال الفلسفي الذي سيقتصر البحث عليه. (1) رؤية تاريخية تقييمية للعلاقة بين الإنسان والطبيعة
العلاقة التاريخية بين الإنسان والطبيعة في تاريخ الفكر الفلسفي علاقة قديمة قدم الفلاسفة الطبيعيين قبل سقراط، وإن كانت جذورها تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك التاريخ في الفلسفات الشرقية القديمة، ولكننا سنصرف النظر عن هذه الأخيرة، ليس لعدم أهميتها، بل لجدارتها بأن يفرد لها بحث أو بحوث أخرى مستقلة. كما سنقتصر في هذا الجزء التاريخي على أهم المحطات الرئيسية التي تلقي الضوء على تحولات الموقف الفلسفي من الطبيعة، وهي التي بدأت بسؤال الفلاسفة الأيونيين (أو الطبيعيين) عن ماهية الطبيعة، وكأن السؤال كان يتطلب البحث عن المادة الأولى التي يتكون منها العالم الطبيعي، فقال طاليس بالماء، وحددها انكسيمينيس بالهواء، وردها أنكسيماندر إلى «الأبيرون» الذي يفتقد إلى كل تحدد أو تعين، ثم تحول السؤال عند الفيثاغوريين فلم يعد بحثا عن ماهية الطبيعة، بل عن بنائها ووجودها في الشكل الهندسي لتصبح مادة العالم قادرة على استقبال الأشكال الرياضية.
أما عالم الطبيعة عند أفلاطون فهو عالم ناقص بالضرورة؛ لأن الزمان يسري عليه، فهو غير ثابت، كما أنه نتاج الخلق الديني أو بالأحرى الصنع الإلهي؛ إذ تم إيجاده وفقا لنماذج الأشكال الأبدية الثابتة. والألوهية لا تحول بين أي شيء وبين أن يوجد؛ لأن كل شيء تتجلى فيه قدرتها العظيمة على الإبداع، وقد كانت هذه أول فكرة تقرر أن الطبيعة سلسلة كبرى من الموجودات المتفاوتة في ترتيبها على سلم الوجود، وهو ما وضحه أرسطو بفكرته عن المحرك الأول الذي لا يتحرك والذي هو العلة الغائية الأخيرة للطبيعة. باختصار كانت نظرة فلاسفة اليونان إلى الطبيعة تتسم بالحيوية والعضوية، كما تنطوي على مفهوم الكون المنظم العاقل؛ إذ «اعتقد المفكرون اليونانيون أن وجود العقل في الطبيعة هو مصدر الانتظام القائم في العالم الطبيعي أو مبدأ اتساقه.»
4
والنتيجة التي نستخلصها من هذا العرض الشديد الإيجاز أن الكون الذي يتصف بالانسجام والاتساق وله عقل يسيره ويضفي عليه مثل هذا النظام لا بد أن تكون له قيمة باطنة فيه، ولم يستمدها من شيء آخر سوى العقل الباطن في الطبيعة.
اختفت النظرة العضوية والحيوية من عالم الطبيعة بدءا من العصر الوسيط بسبب سيادة التصور الديني وفكرة الخلق من العدم. لم يعد عقل الطبيعة هو الذي يسيرها، بل العقل الإلهي الذي أخرج العالم من ظلام العدم إلى نور الوجود، مما جعل الطبيعة بل الكون بأكمله مرهونا بالإرادة الإلهية. لقد رأت مشيئة الله - التي هي خيرة في ذاتها - أنه من الأفضل أن يخلق العالم من أن يظل عدما، فكانت هذه هي فلسفة الطبيعة التي سادت العصور الوسطى وتبناها المفكرون المسيحيون أمثال أوغسطين وتوما الأكويني، ثم جاء فكر عصر النهضة ليؤكد المفهوم المسيحي لخلق العالم، وليرسم صورة للطبيعة باعتبارها آلة لا عقل فيها. و«اعتمد العلم الطبيعي لعصر النهضة على تشبيه الطبيعة بوصفها شيئا من صنع الإرادة الإلهية، بالآلات التي تعد من صنع الإنسان.»
5
وهكذا بدأ تجريد الطبيعة من سحرها ومن مغزاها الإنساني شيئا فشيئا إلى أن تفككت العلاقة بين الإنسان والطبيعة مع بدايات الفلسفة الحديثة ونشأة العلم الحديث.
اتسعت الفجوة بين الإنسان والطبيعة بشكل لا تخطئه عين مع الثنائية التي اتسم بها الفكر الديكارتي وطبعت العصر الحديث - والعصور التالية له - بطابعها عندما وضع الذات في مقابل عالم الأشياء، وبذلك عزل الإنسان عن الطبيعة عزلا تاما، وسار كل منهما في طريق مواز للآخر دون أن يلتقيا. وعلى الرغم من أنه حفظ للطبيعة استقلالها، إلا أنه جردها من طابعها السحري وقوتها الذاتية، وقدم نظرية للمعرفة قوامها العقل وغايتها «أن نجعل أنفسنا سادة ومسخرين للطبيعة.»
صفحه نامشخص