وقامت بقية الجماعة تزيل آثارها من الخص وأهالوا الرمال على بقايا طعامهم ونيرانهم، ثم هدموا الخص وتقاسموا قصباته يحمل كل منهم بعضا منها، ورحلوا عن مكانهم ملثمين جميعا بعد أن ألقوا نظرة أخيرة على المكان، أرادوا بها أن يتأكدوا أن الرمال لن تشي بهم أو تبوح.
13
استيقظ الشيخ حسن من نومه مع الفجر فوجد زوجه قد سبقته إلى اليقظة، ووجد بالبيت ضجيجا وحركة، فسأل زوجته فأخبرته أنهم الأنفار الذين اتفق معهم صلاح أن يأتوا ليحملوا القطن إلى سيارة التاجر، فابتدر الشيخ حسن وضوءه وصلى الفجر، وقد أحس أن المرض قد بدأ يزول عنه، وما إن انتهى من صلاته حتى سأل زوجه: وهل أخرجت لهم الفطور؟ - نعم، ولكن صلاحا لم يأت حتى الآن وأخشى أن تأتي السيارة قبل مجيئه؟ - لم يأت؟! وأين ذهب؟ - ذهب إلى الحقل ليحضر بعض أطراف من أعواد الذرة لتأكلها البهائم. - كان عليه ألا يذهب اليوم حتى يسلم القطن. - إنه يذهب كل يوم ويعود في الفجر، وقد حسب أنه يستطيع أن يذهب ويعود قبل أن تأتي السيارة.
فقال الشيخ حسن وقد داخله بعض التوجس: لا حول ولا قوة إلا بالله، ما ضر لو كان انتظر اليوم إلى أن ينصرف التاجر؟
ثم قصد إلى الشباك فنظر منه فلم ير ابنه قادما، ولكنه رأى بباب بيته رجالا كثيرين، فسأل زوجته: بالباب أحمد أبو خليل والشيخ رضوان والحاج علي ونور الكحلة، وكثير غيرهم، ماذا جاء بهم في باكر الصباح؟
فقالت الزوجة متنهدة: لقد جاءوا ليبيعوا قطنهم إلى التاجر كما بعت، فقد أصبحوا ...
وقبل أن تكمل فضيلة جملتها جاء من بعيد صوت نفير سيارة، ثم ما لبث الشيخ أن تبينها تقترب من بيته عالية الضجيج كثيرة الجلبة.
وما إن وقفت السيارة بباب البيت حتى تحلق القوم الواقفون بها، ورأى الشيخ حسن من مكانه التاجر وهو يدافع عن القوم المتحلقين ليتمكن من النزول من السيارة، حتى إذا استوت أقدامه على الأرض سار بهم إلى المصطبة وجلس إليها وقعد القوم حوله على الأرض، بينما راح الحمالان القادمان مع السيارة يعاونان أنفار الشيخ حسن في وضع القطن بالسيارة.
وتوكأ الشيخ حسن على عصاه حتى نزل إلى القوم فحياهم، وقام التاجر مرحبا بالشيخ حسن، ثم ما لبث أن أخرج من جيبه لفافة كبيرة من الأوراق الخطيرة الشأن وقال للشيخ حسن: مبارك يا عم الشيخ حسن. - بارك الله فيك يا أبا عليوة، مباركة صفقتك إن شاء الله، وإن كنت قد أنقصت الثمن عن السوق خمسة جنيهات في القنطار، النهاية مباركة والسلام. ذهب صلاح ليحضر طعام البهائم وتأخر فقلت أنزل إليك نشرب القهوة معا. - أهلا وسهلا ثمن القطن ستمائة جنيه، أخذت مائة فيكون الباقي لك خمسمائة جنيه.
وعد أبو عليوة خمس ورقات أعطاها للشيخ حسن، أخذها هذا ووضعها في حافظته بينما راح الواقفون يباركون له وللتاجر، ثم راح كل منهم يكلم التاجر عما لديه من قطن، وسرعان ما انعقدت الصفقات بعد أن بخس التاجر أثمان القطن، منتهزا فرصة انفراده بالقرية لخوف التجار الآخرين منها، وراحت أوراق خضراء كثيرة تنشر وتطوى، وراحت ألفاظ التبريك تتناثر على الشفاه، وكان قطن الشيخ حسن قد استقر على السيارة، فقام التاجر وقد وعد أن يعود في اليوم التالي ليتسلم الأقطان الأخرى ويسلم أثمانها.
صفحه نامشخص