جنگ و صلح
الحرب والسلم (الكتاب الأول): إلياذة العصور الحديثة
ژانرها
لم تفتح ليزا فمها خلال هذه المناقشة، بل كانت تلقي نظرات مذعورة تارة على ماري وأخرى على أبيها، فلما انتهى الطعام، أمسكت بذراع ماري وأخذتها إلى غرفة مجاورة وقالت لها: إن أباك شديد الذكاء، ولعله بسبب ذلك يشعرني بالخوف.
فأجابت ماري: نعم، إنه شديد الطيبة!
الفصل الثامن والعشرون
الذهاب إلى الحرب
كان الأمير آندره عازما على السفر مساء اليوم التالي. مع ذلك، فإن الأب - حرصا منه على نظام حياته - انسحب بعد الغداء مباشرة، بينما ذهبت ليز إلى جناح ماري، أما آندره فإنه بعد أن عاين عربته الخفيفة وموضع حقائبه وترتيبها، وأعطى الأمر بأن يقطر الجواد إلى العربة، راح وهو مرتد ثوب السفر، وقد نزع الزينة التي تحلى بها أكتافه، يهيئ حاجاته الأخيرة بمساعدة خادم غرفته في المخدع الذي خصص له، لم يترك في الغرفة إلا الأشياء التي لا يتخلى عنها أبدا؛ صندوقا صغيرا يحوي على أدوات للزينة مصنوعة من الفضة، وغدارتين تركيتين، وحساما. وكان أبوه قد قدم له هذه الأشياء هدية بعد أن أتى بها من أوتشاكوف، فكان يحتفظ بتلك الهدية بعناية فائقة محزومة في قطع من القماش السميك.
لقد جرت العادة على أن يفكر كل رجل قادر على التخيل، عندما يطرأ على حياته رحيل مفاجئ أو انتقال أو تبدل في أسلوب الحياة، وأن تراود عقله أفكار شتى؛ لأن مثل تلك الساعة تكون صالحة جدا للبحث في الماضي وإقامة خطط للمستقبل، كذلك كان الأمير آندريه في تلك اللحظة، كان عاقدا يديه وراء ظهره، يذرع الغرفة من زاوية إلى أخرى وهو شاخص البصر، يهز رأسه بشرود وتحنان، ترى هل كان يرهقه الذهاب إلى الحرب ويخيفه؟ أم كان يقلقه هجرانه لزوجته؟ لعله كان يفكر في كلا الأمرين معا. وبينما كان على تلك الحال، تناهى إلى سمعه وقع خطوات في الردهة، فلم يزعجه أن يفاجئه أحد وهو على تلك الحالة من الشرود والتفكير، توقف قرب المنضدة، وراح يتشاغل في عقد غلاف صندوقه، واستعاد هدوءه وأمارات السكينة المعهودة، وأسدل على وجهه ذلك الحجاب الكثيف الذي لا يمكن للعين أن تستشف خلاله أفكار صاحبه، كانت الخطوات الثقيلة تشير إلى مقدم أخته ماري.
قالت لاهثة وكأنها قطعت شوطا وهي تجري: لقد قيل لي إنك أمرت بتجهيز العربة، وأنا التي كنت أتحين الفرص للقائك وحيدا، إن الله يعرف متى سنلتقي من جديد، هل أزعجك قدومي؟
وأضافت وكأنها تبرر سبب إلقائها ذلك السؤال: ذلك أنك تبدلت كثيرا يا آندريوشا.
وابتسمت وهي تنطق باسم التدليل الظريف الذي درجت على إطلاقه عليه، ولعلها وجدت أن من الغرابة أن يكون هذا الشاب الجميل، ذو الوجه القاسي الصارم، هو نفسه آندريوشا، ذلك الغلام الماكر الهزيل الذي كان رفيق طفولتها.
سألها بعد أن أجاب على سؤالها الأول بابتسامة يسيرة: أين ليز الآن؟
صفحه نامشخص