115

جنگ و صلح

الحرب والسلم (الكتاب الأول): إلياذة العصور الحديثة

ژانرها

الفصل السادس والعشرون

الأب والابن

كان الخادم العجوز غافيا في مقعده على صوت الشخير الذي اعتاد على سماعه كلما كان الأمير نائما في غرفته الرحبة. ومن الجناح الأقصى من البيت، كانت إيقاعات لحن خاص ب «دوسك» - وهو مؤلف موسيقي تشيكي كان ذائع الصيت في ذلك الوقت - تتكرر باستمرار وترديد ممل، لشدة الصعوبة التي كانت تواجه العازفة في إجادة عزف ذلك اللحن الصعب، وتصل إلى أسماع الخادم العجوز خافتة، خلال العديد من الأبواب الضخمة المغلقة التي تفصل بين الجناحين.

وفي تلك اللحظة، توقفت عربتان أمام باب الفناء، إحداهما مغلقة من طراز بيرنين، والأخرى خفيفة مكشوفة من طراز بريتشكا، ترجل الأمير آندره من الأولى وساعد زوجته الصغيرة على الهبوط، ودعاها لتتقدمه في الممشى، فأخرج الخادم العجوز تيخون رأسه المغطى بشعر مستعار، خلال فرجة قاعة الانتظار، وأبلغ الأمير الشاب بصوت منخفض أن أباه في قيلولته، ثم أغلق الباب، كان يعرف أن أي حدث مهما بلغت أهميته، حتى ولا وصول الأمير الشاب، ما كان يعكر سير برامج الأمير وسياق ترتيب أوقاته، وكان آندره يعرف ذلك كما يعرفه تيخون تماما، وقد أقنعته نظرة ألقاها على ساعته بأن الأمير العجوز لم يتبدل قط منذ أن بارحه آخر مرة، فقال لزوجته: سينهض أبي بعد عشرين دقيقة، فلنمض الآن إلى جناح ماري.

كانت الأميرة الصغيرة قد ترهلت بعض الشيء، لكن عينيها وشفتها القصيرة الباسمة المظللة بطيف من الزغب كانت تتخذ دائما، عندما تشرع في الحديث، ذلك الطابع الوديع الظريف، أخذت تسرح الطرف حولها ثم قالت لزوجها بمثل اللهجة التي كانت تخاطبه بها لو أنه كان قد رتب حفلا راقصا أو أقام عرضا مغريا: لكنه قصر منيف، لنسرع، هيا، لنسرع!

كانت تبتسم لكل من كان حولها؛ لزوجها، لتيخون، وللخادم الذي كان يقودهما. أردفت: إن ماري تتمرن على العزف، أليس كذلك؟ حسنا، ينبغي أن نفاجئها، فلا تثيروا صخبا.

كان الأمير آندره يتبعها وعلى وجهه طابع أنس يشوبه الغم، قال يحدث تيخون الذي تقدم منه وقبل يده: لقد هرمت يا تيخون!

وبينما كانا على وشك الوصول إلى البهو، حيث راح صوت المعزف يزداد وضوحا، شاهدا فتاة شقراء صغيرة الحجم جميلة الوجه، تكاد تطير من الفرح، تخرج من باب جانبي، هتفت الشقراء في مرح: آه، يا لسعادة الأميرة! أخيرا، لقد وصلتما، ينبغي أن أخطرها.

فقالت الأميرة الصغيرة، وهي تعانق الفرنسية الشقراء: كلا، كلا، وحق السماء. إنك الآنسة بوريين. لقد عرفتك فورا لكثرة ما حدثتني عنك الأميرة ماري في رسائلها، إنها تكن لك حبا عنيفا، هل تنتظر قدومنا؟

توقف الأمير آندره على باب قاعة الموسيقى، حيث كان ذلك المقطع الشائك لا يني يتكرر ويتردد بإصرار وعناد، وكأنه تطير أمام مشهد محزن يكاد أن يقع.

صفحه نامشخص