حرکات اصلاحیه
محاضرات عن الحركات الإصلاحية ومراكز الثقافة في الشرق الإسلامي الحديث
ژانرها
تمهيد
كانت مصر قد أصبحت في العصر المملوكي مركز النشاط العلمي والثقافي في العالم الإسلامي؛ فهي محط رحال العلماء، وقبلة أنظار الطلاب، وخاصة بعد أن قضي نهائيا على الدولة الإسلامية في الأندلس، وبعد أن قضى المغول على الخلافة العباسية في بغداد، وقامت في العراق وما يليه شرقا دولة إيلخانات فارس ثم الدولة الصفوية، وهما دولتان غير عربيتين.
وبلغت الحركة العلمية في مصر أوجها في القرن الخامس عشر الميلادي، ووصلت حركة التأليف الذروة من حيث وفرة الإنتاج وتنوعه، ومن حيث عدد الكتاب والمؤلفين والمؤرخين، ولعل السمة الظاهرة التي تميز المؤلفين في هذا القرن أنهم كانوا وافري الإنتاج، وأنهم كانوا في معظمهم مؤلفي موسوعات، ويكفي أن نشير هنا إلى أسماء بعضهم؛ من أمثال ابن خلدون والقلقشندي والمقريزي وابن حجر والعيني وابن تغري بردي وابن الصيرفي والسخاوي والسيوطي وابن إياس ... إلخ.
وقد شهد الشرق الأوسط الإسلامي في بداية القرن السادس عشر تغيرا أساسيا؛ فقد نجح الأتراك العثمانيون في القضاء على الدولة المملوكية في مصر والشام، وفي الانتصار على الدولة الصفوية، ونتيجة لهذا الانتصار المزدوج؛ ضمت مصر والشام - كما ضم العراق العربي - إلى أملاك الدولة العثمانية.
الفصل الأول
ركود الحياة العلمية في مصر والشام
فيما بين القرنين السادس عشر والثامن عشر
أصبحت القسطنطينية - بعد انتقال الخلافة الإسلامية إليها - مركز الثقل ومحور الارتكاز في العالم الإسلامي، ولعل هذا يفسر لنا - بعض التفسير - ركود الحركة العلمية في مصر والشام طيلة القرون الثلاثة التي خضعتا فيها للحكم العثماني؛ فقد أصبحت القسطنطينية هي مركز النشاط العلمي في الدولة العثمانية؛ فهي مقر السلطان والخليفة، بل هي عاصمة الدولة الإسلامية، والدولة كانت تركية اللسان، فمن البديهي إذن أن تنشط حركة التأليف بين علماء الأتراك وباللغة التركية، وأن تضعف حركة التأليف باللغة العربية.
يضاف إلى هذا أن السلطان سليما الأول كان قد صحب معه حين خروجه من مصر عددا من كبار العلماء، وكل ماهر في فن أو صنعة، كما حمل معه معظم ما كانت تذخر به مكتبات القاهرة من نوادر الكتب والمؤلفات.
وتدهورت الأحوال في مصر والشام تدهورا شديدا في النواحي الثقافية والصحية والاقتصادية؛ نتيجة للعزلة التي عاش فيها هذان القطران، ولانقطاع الصلة بينهما وبين العالم الخارجي في العصر العثماني.
صفحه نامشخص