409

بلقاء الحرافيش اشتعلت النار في كيانه كله. تجمعت قواه الحيوية كلها، ودقت جدران قلبه تريد أن تنطلق. لا يمكن أن ينام من تضطرب جوانحه بهذه القوة كلها. إنه يتحدى المجهول كما تحداه فائز من قبل، وكما يتحداه ضياء اليوم، ولكنه يشق طريقا آخر، ويتطلع إلى آفاق أبعد. إنه يواجه المجهول ويصافحه ويرمي بنفسه في خضمه. كأنما كتبت عليه المغامرة والمقامرة وركوب المستحيل. إنه يحمل سرا عجيبا. ينبذ الأمن والسلامة، ويعشق الموت وما وراءه. ولقد رأى في منامه من اعتقد أنه عاشور الناجي. ورغم أنه كان يبتسم فقد سأله بنبرة عتاب واضحة: بيدي أم بيدك؟

وكررها مرتين فوجد عاشور نفسه يجيبه وكأنما أدرك ما يسأل عنه: بيدي!

فظل الناجي باسما، ولكنه توارى كالغاضب مخلفا وراءه الخلاء. وتساءل عاشور لدى استيقاظه عما عناه جده بسؤاله، وعما عناه هو بجوابه، وتحير طويلا ولكن قلبه امتلأ بإلهام التفاؤل والإقدام.

42

وذات يوم طرح هذا السؤال على الحرافيش في سوق الدراسة: ماذا يرجع حارتنا إلى عهدها السعيد؟

وأجاب أكثر من صوت: أن يرجع عاشور الناجي.

فتساءل باسما: هل يرجع الموتى؟

فأجاب أحدهم مقهقها، قال بثبات: لا يحيا إلا الأحياء. - نحن أحياء ولكن لا حياة لنا.

فسأل: ماذا ينقصكم؟ - الرغيف.

فقال عاشور: بل القوة!

صفحه نامشخص