مضت الأيام وجلال يزداد قوة وجمالا وبهاء. يمشي الزمن على أديمه غير تارك أثرا كأنه الماء يمشي على مرآة مصقولة. زينات نفسها تتغير كما يتغير كل شيء من حولها، رغم عنايتها الكبيرة بجمالها. وأدرك جلال أنه يخوض بعناد المعركة المصيرية الحقيقية المقدسة. وقال لنفسه إنه من المؤسف حقا أن الختام حتم، قد يؤجل بعض الوقت، ولكن أين منه المفر؟
49
وتوثقت الصداقة بينه وبين المعلم عبد الخالق العطار . وكان من رأي المعلم عبد الخالق أنه لولا فداحة تكاليف الوصفة لصارت حارتهم حارة المعمرين.
وفكر جلال أكثر من مرة في أن يشرك زينات في الوصفة السحرية، ولكنه كان يتراجع عن فكره دائما. لعله بدأ يخشى سيطرتها وسحرها فكره تحصينها ضد الزمن الجبار. كان يحبها أكثر الوقت، ولكن تمر لحظات يود أن ينتقم منها ويبصقها في أقرب مزبلة. لم تكن علاقته بها بسيطة وواضحة. كانت تنداح في شبكة معقدة من العلاقات فتتداخل مع ذكرى أمه، ذكرى قمر، عداوته للموت، كرامته، وتعلقه الآسر بها. وكان ما يحنقه أكثر من سواه ما يبدو عليها أحيانا من طمأنينة راسخة وثقة بالنفس لا حدود لها، ها هي ترهق بالشراب والسهر، ويلتهب جلدها بالمساحيق، فهل تلاحظه خفية بالحسد؟
50
وسأل مرة المعلم عبد الخالق: سمعت ولا شك عن حكاية عاشور الناجي؟ - حكاية محفوظة يا معلم.
فقال جلال بعد تردد: إني أعتقد أنه ما زال حيا!
فذهل عبد الخالق ولم يدر بماذا يجيب. كان يعلم أن عاشور ولي عند قوم، ولص لقيط عند آخرين، ولكنهم يسلمون جميعا بموته. وواصل جلال قائلا: وأنه لم يمت!
وقال عبد الخالق: كان عاشور رجلا صالحا والموت لا يخطئ الصالحين.
فتساءل جلال محتجا: أينبغي أن يكون الإنسان شريرا كي يخلد؟ - الموت حق، ولكن لا يتطلع إلى الخلود مؤمن! - أعلى يقين أنت من ذلك؟
صفحه نامشخص