ويقول ابن تيمية: "ثم قالت الخوارج والمعتزلة الطاعات كلها من الإيمان، فإذا ذهب بعضها ذهب بعض الإيمان فذهب سائره، فحكموا بأن صاحب الكبيرة ليس معه شئ من الإيمان. وقال المرجئة والجهمية: ليس الإيمان إلا شيئًا واحدًا لا يتبعض. إما مجرد تصديق القلب كقول الجهمية، أو تصديق القلب واللسان كقول المرجئة. قالوا: لأنا إذا أدخلنا فيه الأعمال صارت جزءًا منه فإذا ذهبت ذهب بعضه، فيلزم إخراج ذي الكبيرة من الإيمان وهو قول المعتزلة والخوارج، لكن قد يكون له لوازم ودلائل فيستدل بها على عدمه، وكان كل من الطائفتين بعد السلف والجماعة وأهل الحديث متناقضين، حيث قالوا - أي أهل السُّنَّة والحديث - الإيمان قول وعمل، وقالوا مع ذلك لا يزول بزوال بعض الأعمال ... " (١) .
نخرج مما نقلناه عن "صاحب المعارج" و"ابن تيمية" أن المعتزلة والخوارج قد جعلوا الأعمال كلها شرطًا في صحة الإيمان، وبنوا ذلك على قولهم إن الإيمان قول وعمل لكن لا يزيد ولا ينقص، فكان لابد أن زوال أي عمل من الأعمال يُزيل الإيمان بالكلية، فجعلوا مرتكب الكبيرة مخلدًا في النار - كما تقول المعتزلة - أو كافرًا - كما تقول الخوارج - وأما المرجئة والجهمية ومن تابعهم ممن دخلت عليهم شبههم قديمًا وحديثًا - جعلوا جميع الأعمال شرطًا في الكمال، ولا شئ منها شرطًا في الصحة، أما أهل السُّنَّة والجماعة فقد اعتبروا الإيمان قول وعمل، لكن لايزول جملة بزوال بعض الأعمال، وإنما يزول بزوال جميع الأعمال من جهة أو بزوال أعمال مخصوصة - كالمباني الأربعة على خلاف فيها - من جهة أخرى، فصح أنه يلزم جنس الأعمال مطلقًا لثبوت أصل الإيمان وعدم زواله جملة.
_________
(١) الإيمان الأوسط لابن تيمية ص٥٢ط. مكتبة الفرقان.
1 / 31