127

حقيقة الإيمان

حقيقة الإيمان

ژانرها

وأيضًا: فبعد نزول القرآن وإكمال الدين إذا بلغ الرجل بعض الدين دون بعض، كان عليه أن يصدق ما جاء به الرسول جملة، وما بلغه عنه مفصلًا، وأما ما لم يبلغه ولم يمكنه معرفته، فذاك إنما عليه أن يعرفه مفصلًا إذا بلغه.
وأيضًا: فالرجل إذا آمن بالرسول إيمانًا جازمًا، ومات قبل دخول وقت الصلاة أو وجوب شيء من الأعمال، مات كامل الإيمان الذي وجب عليه. فإذا دخل وقت الصلاة فعليه أن يصلي، وصار يجب عليه ما لم يجب عليه قبل ذلك، وكذلك القادر على الحج والجهاد يجب عليه ما لم يجب على غيره من التصديق المفصل، والعمل بذلك.
فصار مايجب من الإيمان يختلف باختلاف حال نزول الوحي من السماء.
وبحال المكلف في البلاغ وعدمه، وهذا مما يتنوع به نفس التصديق، ويختلف حاله باختلاف القدرة والعجز، وغير ذلك من أسباب الوجوب، وهذه يختلف بها العمل أيضًا. ومعلوم أن الواجب على كل هؤلاء لا يماثل الواجب على الآخر، فإذا كان نفس ما وجب من الإيمان في الشريعة الواحدة يختلف ويتفاضل - وإن كان بين جميع هذه الأنواع قدر مشترك موجود في الجميع، كالإقرار بالخالق، وإخلاص الدين له، والإقرار برسله واليوم الآخر على وجه الإجمال - فمن المعلوم أن بعض الناس إذا أتى ببعض ما يجب عليه دون بعض، كان قد تبعض ما أتى فيه من الإيمان، كتبعض سائر الواجبات.
يبقى أن يقال: فالبعض الآخر قد يكون شرطًا في ذلك البعض، وقد لا يكون شرطًا فيه، فالشرط كمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض، أو آمن ببعض الرسل وكفر ببعضهم، كما قال تعالى: (إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله، ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض، ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا، أولئك هم الكافرون حقًا، وأعتدنا للكافرين عذابًا مهينًا) .
وقد يكون البعض المتروك ليس شرطًا في وجود الآخر ولا قبوله.

1 / 127