حقیقت
الحقيقة: وهي رسالة تتضمن ردودا لإثبات مذهب دارون في النشوء والارتقاء
ژانرها
ويعيرونها من الالتفات ما لو صرفوا بعضه في العلوم الصحيحة،
37
والاشتغال بما أمامهم؛ لأفادوا الاجتماع فوائد لا تحصى، ووقوهما من زيادة التضليل.
ولم يقتصر ضرر هذه الفلسفة المجردة على العلوم الصحيحة والطبيعية، بل تناول كل شيء حتى الأديان نفسها.
خذ مثالا شريعة القرآن، فإنها بين الشرائع الدينية الشريعة الوحيدة الاجتماعية العملية المستوفاة
38
التي ترمي إلى أغراض دنيوية حقيقية، بمعنى أنها لم تقتصر على الأصول الكلية الشائعة بين جميع الشرائع، بل اهتمت اهتماما خاصا بالأحكام الجزئية، فوضعت أحكام المعاملات، حتى فروض العبادات أيضا، وهي من هذه الجهة شريعة عملية مادية، حتى إن الجنة نفسها لم تخرج فيها من هذا الحكم من أشجار وأثمار وأنهار إلى آخر ما هنالك.
وطالما جرى اتباعها عليها صلحت أمور دنياهم على سواهم بالقياس إلى حالة البشر في تلك العصور؛ لأن كل شيء نسبي في هذا الوجود، حتى دخلت عليهم علوم اليونان الفلسفية ومباحثها المجردة، فمالوا بها إلى العلوم الكلامية، وأطلقوها على الدين، ووضعوا الفقه الأكبر؛ فكثرت البدع بينهم، وشرها في تمكين هذا النوع من النظر الصوفي، فانصرفوا بذلك عن غاية الدين العملية المادية إلى المرامي المجردة، والمنازع النظرية، وسائر علوم الجدل الأدبية المقامة عليها، حتى إلى ما لا علاقة له بالدين مطلقا.
39
وحل ذلك حتى على شعرهم نفسه؛ فانقلب من خطته الوصفية التقريرية، كما كان الغالب فيه في الجاهلية إلى هذه الصورة الخيالية الواهية، وتبذلوا فيه بأن صار أكثره لسان حال تهتكهم في غزلهم، ومرمى ذل نفوسهم في تزلفهم، وإغراقهم في اختلاقهم مدحا أو ذما فتقهقروا، وما زالوا متقهقرين حتى اليوم. ولو بقيت وجهتهم في مجتمعهم شريعة القرآن وحدها كما هي فيه، لما قام في وجههم حائل يصدهم عن الارتقاء، إلا ما يقوم من كل شريعة اجتماعية جمدت على الأيام،
صفحه نامشخص