حقیقت: مقدمهای کوتاه جدا
الحقيقة: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
وتظل صور كل الأعمال الخافية التي جرت موجودة على الدوام على نحو ثابت لا يمحى، تنتقل من إحدى الشموس إلى التي تليها. فبقعة الدماء الناتجة عن جريمة القتل لا تظل باقية على أرضية الغرفة دون أن تنمحي وحسب، بل تنتقل صورة الفعل أكثر وأكثر إلى السماء الفسيحة.
شكل 4-3: تجربة الاختيار المتأخر.
يبدو أن واقعية الماضي نابعة في الأساس وبشكل مباشر من عدم قدرتنا على تغيير أي جزء منه. فما حدث قد حدث بطريقة معينة، وسيظل إلى الأبد على الحال الذي حدث به. والشيء الذي يشعل كل هذا القدر من المقاومة لمقاصدنا ورغباتنا لابد أن يوجد بشكل مستقل عنا. ومع ذلك، من الطريف أن نلاحظ (كما أشار برتراند راسل) أنه من منظورنا، ربما يكون العالم قد خلق منذ خمس دقائق، بكل ما فيه من حفريات وبقايا أثرية ومحفوظات ومكتبات ومبان وذكريات؛ ومن ثم كنا سنحكي القصص نفسها التي نحكيها الآن عن الماضي، ولكنها لم تكن لتتعدى كونها مجرد قصص، فالأزمنة الماضية التي تشير إليها هذه القصص غير موجودة في الواقع. فنحن عندما نتحدث عن الماضي، إنما نتحدث على نحو ملتف عن الحاضر، عن الحفريات والبقايا التي نعثر عليها الآن، عن الوثائق التي نقرؤها الآن والذكريات التي تطرأ على عقولنا الآن.
اقترح المؤرخون اقتراحات أقل تطرفا تنكر واقعية جزء من الماضي، ومن بينها فرضية الزمن الشبحي التي تزعم أن السنوات ما بين 614 و911 ليست سوى وهم اخترعه مؤرخو العصور الوسطى المتأخرين. وطبقا لهذه الرؤية، لا بد من تأريخ كل المباني أو المصنوعات البشرية التي ترجع لهذه الفترة إلى أزمنة مختلفة، وأن شارلمان (742-814) كان شخصية خيالية، وعام 2000 كان في الواقع عام 1703. وبقدر الغرابة والخيالية التي تتسم بها هذه الأفكار، فإنها لا تزال مألوفة نسبيا عند مقارنتها بنتائج تجربة فكرية شهيرة في فيزياء الكم.
في «تجربة الاختيار المتأخر» الشهيرة، يتم إطلاق كائن كمي على حاجز به شقين. إذا سلك الكائن سلوك الجسيم، فسوف يمر عبر أحد الشقين؛ أما إذا سلك سلوك الموجة، فسوف يظهر نمط تداخل الموجات المعتاد على الجانب الآخر من الحاجز. ويوجد خلف الحاجز آلية اكتشاف مثل الشاشة الفسفورية، وخلف هذه الشاشة يوجد تلسكوبين، كل منهما موجه إلى أحد الشقين. فإذا كانت الشاشة في مكانها، فسوف تتراكم الكائنات الكمية بما يتوافق مع نمط التداخل؛ أما إذا أزيلت من مكانها، فسوف يتم رصد الكائنات بالتلسكوبين لمعرفة إذا ما كانت قد جاءت من خلال الشق الأيسر أم الأيمن. حتى الآن، لا يوجد شيء غريب في التجربة.
تصبح الأمور غريبة بعض الشيء عندما نقرر إذا ما كنا سنترك الشاشة في مكانها، أم سنزيلها ونعتمد على التلسكوبين فقط بعد أن يمر الكائن الكمي عبر الحاجز. بحلول هذا الوقت، سنكون قد حددنا إذا ما كان الكائن الكمي قد عبر من أحد الشقين (كجسيم) أم من كليهما مرة واحدة (كموجة)؛ من ثم سيكون هناك احتمال أن يمر الكائن الكمي عبر الشقين في الوقت ذاته، ونختار آلية الاكتشاف المعتمدة على التلسكوبين؛ ومن ثم نراقب الكائن عبر التلسكوبين. ومع ذلك فهذا الموقف لا يحدث مطلقا.
يمكن جعل هذه النتيجة أكثر خطورة وجدية إذا استبدلنا مجرة بعيدة بالحاجز ذي الشقين. تملك المجرات القدرة على لي الزمكان، بحيث ينحرف شعاع الضوء بسببها، نظرا لضخامتها الشديدة. يمكننا الآن تخيل وضع مثل هذه المجرة بيننا وبين مصدر الضوء. ستنعطف الفوتونات المنبعثة من هذا المصدر وتلتف حول المجرة إما من اليسار وإما من اليمين وإما من كلا الاتجاهين على نحو متزامن. مرة أخرى، يبدو أن السبيل الذي ستختاره الفوتونات يعتمد على جهاز القياس الذي نختاره، إلا أن الضوء الذي ننظر إليه يبلغ عمره مليارات السنوات، وهو بالتأكيد قد قرر السبيل الذي سيسلكه قبل وجود البشر على الأرض بأمد طويل. يبدو أن هذه التجربة تعني ضمنا أن القرار الذي نتخذه في الحاضر (بإزالة الشاشة أو عدم إزالتها) يحدد الأحداث التي حدثت في الماضي (في أي اتجاه ذهب الفوتون). ومن المستحيل بالتأكيد أن نستطيع ببساطة تغيير أي حقيقة في الماضي بهذه الطريقة (على سبيل المثال، نحن لا نستطيع الآن أن نجعل الفوتون يتجه إلى اليسار). ولكن حتى إذا كانت توجد بعض جوانب الماضي التي نستطيع تغييرها في الحاضر، فإن الآراء المؤيدة لواقعية الماضي على أساس طبيعته غير القابلة للتغير والمقاومة التي يبديها لرغباتنا تبدو آراء متداعية إلى حد بعيد.
في حين تعد النظريات التي تنكر واقعية الماضي مخالفة لنظرتنا المعتادة للعالم، فإن عدم واقعية المستقبل أمر لا يثير الجدل بالمرة بالنسبة لأغلبية الناس. فإذا كان المستقبل واقعيا، ولا يتأثر بما نفعله في الحاضر، فإن أفعالنا ستكون غير ذات جدوى. ولعل مؤيدي نظرية الكون الجامد يجدون صعوبة في الدفاع عن فكرة الإرادة الحرة. فوفقا لهذه الرؤية، الانتقال إلى المستقبل سيشبه المرور عبر سلسلة من الغرف المظلمة حاملا شمعة؛ فعندما يضيء نور الحاضر هذه الغرف تظهر لأعيننا الأشياء التي كانت مختفية. ومع ذلك، ليس ثمة شك في أن هذه الأشياء كانت موجودة طوال الوقت.
نظرا للمعقولية البديهية لفكرة عدم واقعية المستقبل، فإنه من المدهش أن نجد رأيا يؤيد واقعيته على أساس نظرية أخرى مقبولة على نطاق واسع؛ ألا وهي نظرية النسبية.
لقد وضح لنا مثال المرايا الموضوعة في عربة السكة الحديدية المتحركة السالف الذكر أن أي حدثين متزامنين بالنسبة لأي راصد ليسا بالضرورة كذلك بالنسبة لراصد آخر يتحرك بالنسبة للأول. فإذا كانت المسافات في التجربة كبيرة، حتى الفروق الضئيلة في السرعة النسبية بين الراصدين يمكن أن تؤدي إلى فقد التزامن. وتستغل هذه الحقيقة في مفارقة مجرة المرأة المسلسلة.
صفحه نامشخص