حقیقت: مقدمهای کوتاه جدا
الحقيقة: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
فلنطلق على هذا «تعريف رواية «1984»». وعلى الرغم من أنه أكثر إرضاء من «تعريف فيلم ماتريكس»، فإنه تعريف شديد الضعف أيضا؛ فهو سينظر إلى الواجهات الواهية لسيناريوهات الديستوبيا مثل سيناريو رواية «1984» أو سيناريو فيلم ذا ماتريكس بوصفها الحقيقة، وسوف ينتج نتائج غريبة في السيناريوهات الأقل خيالا. فلتنظر مثلا إلى مرض كورو، وهو مرض عجيب موجود أساسا في جنوب شرق آسيا. تشمل أعراض المرض القلق الشديد المفاجئ من نكوص الأعضاء التناسلية إلى داخل الجسم؛ ومن ثم التسبب في الموت. وكثيرا ما ينتشر المرض على هيئة وباء في منطقة معينة؛ على سبيل المثال ظهر المرض في سنغافورة عام 1967، فأدى إلى دخول 97 مريضا إلى مستشفى واحد في يوم واحد. وما يؤدي لتعقيد المرض أن المصابين به قد يلجئون من فرط القلق إلى اللجوء للكلابات والملازم وغيرها من الأدوات الميكانيكية لإيقاف نكوص أعضائهم التناسلية المحسوس إلى داخل أجسامهم، وغالبا ما تتسبب هذه الأفعال في أضرار جسيمة. وغني عن القول، أنه ليس ثمة نكوص فعلي ملحوظ يحدث للأعضاء التناسلية؛ فالكورو ليس مرضا جسديا وإنما مرض عقلي. ولكن وفقا لتعريف رواية «1984»، إذا اعتقد عدد كاف من الأشخاص في تقلص القضيب، فتقلص القضيب أمر واقعي. إن الصعوبة التي يواجهها المهلوسون، والأطفال ذوو الأصدقاء الخياليين، وغيرهم، ليست في أنهم مخطئون في الطريقة التي يرون بها العالم، وإنما في أنهم أقلية. وبمجرد أن يؤمن عدد كاف من الأشخاص بشيء غير واقعي، فإن هذا الشيء، أيا كان، لا بد من اعتباره واقعا.
سيكون من الطيب أن نستخلص تعريفا أكثر موضوعية لكلمة «الواقع» من ذلك التعريف المرتبط بالاتفاق الجمعي. وتمنحنا الحكاية التالية حول المعجمي صامويل جونسون فكرة عما ينبغي أن نبحث عنه:
بعد أن خرجنا من الكنيسة، وقفنا نتحدث لبعض الوقت معا حول سفسطائية الأسقف بيركلي المبتكرة لإثبات عدم وجود المادة، وأن كل ما في الكون لا يعدو أن يكون محض أفكار موجودة في العقل. ولاحظت أننا رغم تيقننا من أن مذهبه غير صحيح، فإنه من المستحيل دحضه. ولن أنسى ما حييت الحماسة التي رد بها جونسون وهو يضرب بقدمه بمنتهى القوة حجرا كبيرا قائلا: «مع ذلك، أنا أدحضه.»
بالنسبة لجونسون، علامة الواقع هي المقاومة التي تبذلها أجسام معينة؛ فأنا أستطيع تخيل مقعد موضوع أمامي بكل تفاصيله وشكله ولونه وملمسه، إلى أن يصبح لدي صورة شديدة الوضوح له في عقلي. مع ذلك، إذا حاولت الجلوس على هذا المقعد، فإن جسمي سيقع على الأرض، في حين أن المقعد الواقعي الحقيقي سوف يدعم جسمي. «المقاومة» في هذا السياق، لا تعني اللانفاذية، وإنما إحجام الأشياء الواقعية عن التأثر برغباتنا وأمانينا. وكما يصوغها فيليب كيه ديك، فإن الشيء الواقعي هو الشيء الذي لا يختفي عندما تكف عن الإيمان بوجوده.
بمجرد أن يتوقف طفلك عن الإيمان بوجود صديقه الخيالي، فإن هذا الصديق يختفي، وإذا توقفت أنت عن تصور المقعد، فسوف يختفي هذا المقعد الوهمي من الوجود؛ ولهذا فإن هذا الصديق وهذا المقعد (على عكس الأصدقاء والمقاعد العادية) غير واقعيين. وسوف نطلق على تعريف الواقع بأنه الشيء الذي لا نختلقه «تعريف جونسون». ورغم الطابع المنطقي العقلاني الذي يتسم به هذا التعريف، فإن له بعض النتائج الغريبة. بشكل عام، نحن نعتقد أن البورصة واقع، وأن الأحلام ليست واقعا، ولكن وفقا لتعريف جونسون، العكس هو الصحيح. فنحن لا نختلق أحلامنا؛ لأننا لا نستطيع اتخاذ قرار بما نريد أن نحلم به (اسأل أي شخص يعاني من كوابيس متكررة). والأحلام تبذل بعض المقاومة لرغباتنا وأمانينا، فإذا راودك حلم بأن القطار يفوتك، فإن القطار لن يتأخر عن موعده خمس دقائق لتلحق به، بل سيرحل في وقته بالضبط في الحلم، وسوف يفوتك. أما البورصة، فهي شيء نختلقه جميعا. إذا توقف الجميع عن الإيمان بها، بمعنى أن يتوقف الجميع عن الشراء والبيع فيها ، فإن الأسهم وأسعارها وتقلباتها سوف تختفي من الوجود، تماما كما يختفي الصديق الوهمي الذي توقف الطفل عن الإيمان به.
لكن ربما نستطيع حل مشكلة تعريف جونسون؛ فالأحلام والبورصة هما في النهاية أشياء يختلقها العقل البشري. ولكن تخيل عالما ليس به بشر، أو ربما ليس به عقول؛ ألا يمكننا اعتبار كل ما في هذا العالم واقعيا؟ كيف سيصبح عالمنا دون عقول واعية؟ سيظل القمر يدور حول الأرض والأرض تدور حول الشمس؛ والإلكترونات تدور حول نواة الذرة. لن يكون هناك ألوان، ولكن سيظل هناك ضوء بأطوال موجية مختلفة؛ لن يكون هناك روائح، ولكن ستظل هناك جزيئات عالقة في الهواء؛ لن يكون هناك قصص، ولكن ستظل هناك علامات على الورق. وهذا التعريف للواقع بأنه ما يتبقى في عالم نحن غير موجودين فيه، عالم انتزع منه كل البشر، سوف نطلق عليه «تعريف نهاية العالم». وفي حين أن هذا التعريف يتسبب في جعل مجموعة الأشياء الواقعية صغيرة نسبيا (فاقتصاد العالم واللغات والحروب وغيرها لن تعد أشياء واقعية)، فإنه التعريف الأكثر تماسكا الذي قابلناه حتى الآن؛ فهو يعادل ما هو واقعي بما هو موجود بغض النظر عن أي شيء، بالعالم الذي لم تمسه العقول البشرية، العالم الذي نزعت منه كل أماني البشر ورغباتهم واهتماماتهم.
مع ذلك، قد يكون من الممكن أن نجعل هذا التعريف أكثر تماسكا. ذكر جون لوك في كتابه «مقالة حول الفهم البشري» هنديا:
قال إن العالم يرتكز على فيل ضخم، وعندما سئل عما يرتكز عليه الفيل نفسه، كانت إجابته: سلحفاة ضخمة. ولكن عندما ضغط عليه لمعرفة ما ترتكز عليه السلحفاة ذات الظهر العريض، أجاب بأنه شيء لا يدري كنهه.
عندما نحلل كل ما يحيط بنا من أشياء مادية، سنجد أن الأحذية والسفن وشمع الختم، وكل الأشياء التي نستخدمها يوميا مكونة من جزيئات، وهذه الجزيئات تتكون بدورها من ذرات، وتتكون كل ذرة من نواة صغيرة تحيط بها إلكترونات. أما النواة فهي تتكون من بروتونات ونيوترونات، التي يمكن تحليلها إلى مجموعة متنوعة من الجسيمات دون الذرية. وكل هذه الجسيمات يمكن تفسيرها في ضوء أوتار، والتي يمكن تحليلها إلى كيانات أساسية أكثر «لا ندري كنهها». في هذا التسلسل الهرمي، كل مستوى يعتمد على المستوى الأدنى منه مباشرة، وفي هذه الحالة يكون الشيء الواقعي هو الموجود في المستوى الذي يعتمد عليه الآخرون، ولكن دون أن يعتمد هو نفسه على شيء؛ أي السلحفاة الأساسية - أيا كانت - التي يعتمد عليها الكون كله. ويختلف «تعريف السلحفاة» عن تعريف نهاية العالم للواقع لأنه لا ينظر إلى كل ملامح العالم التي تفتقد إلى العقل على أنها واقعية: جبل إفرست، على سبيل المثال، رغم أنه مستقل عن العقل، فلا يزال يعتمد في وجوده على وجود أجسام أخرى مادية أصغر وأكثر جوهرية. الواقع هو فقط الشيء أو الأشياء التي تنتهي عندها أدنى حدود الميتافيزيقا؛ أي الأجسام التي تشكل المستوى السفلي من سلسلة الاعتماد التي تمتد من البضائع المتوسطة الحجم إلى الجزيئات والذرات والجسيمات دون الذرية إلى وجهة ما زلنا لا نعرفها.
التعريفات الخمسة للواقع
صفحه نامشخص