ففتحت اللايدي بنتن فاها ولم تعد تتكلم، فعاد إدورد يقول لها: لا تعجبي يا سيدتي، ما أقوله لك هو الحقيقة الراهنة. - لم أفهم. - نعم، هو لغز ما أقوله لك، ولكن إذا سمحت لي أروي لك حكاية نسبي. - ارو لأرى هذا العجب.
وجعل إدورد يقص عليها الحكاية مغفلا منها ما يسوءها وهي مصغية تهز رأسها، ولما انتهى قالت: إن قصتك محتملة الوقوع وأتمنى صحتها، ولكنها تفتقر إلى الإثبات. - نعم يا سيدتي، ولهذا أتيت أستشيرك في كيفية الاستحصال على الورق من خالي. - ليس إلا أن تباحثه بالأمر، ولكن لماذا كتم خالك هذا الورق؟ - أظن أنه كتمه ريثما أشب جاهلا نسبي لعلي أتزوج ابنته إذا أغراني، وثم يعلن الأوراق، ويفخر أنه زوج ابنته من لورد. وقد أغراني بالفعل ولكن ذهبت مساعيه أدراج الرياح.
فهزت اللايدي بنتن رأسها قائلة باسمة: أما كفاه أنه زوج أخته من لورد؟ - ألا تستصوبين يا سيدتي أن تكتبي له بهذا الشأن، فتقولي أنه بلغك أن أخاك تزوج أخته سرا، وتسأليه ما إذا كان عنده بينة على ذلك لعله يرسل إليك الأوراق من نفسه؟
فهزت اللايدي بنتن رأسها هزة رحوية، وقالت: كلا، لا حديث لي معه. - عجيب! ألا يهمك الأمر يا سيدتي؟ - يهمني جدا، ولكن يصعب علي أن أكاشفه بأمر ليس له أساس عندي، فالأفضل أن تفاوضه أنت وثم نرى ماذا تكون النتيجة.
عند ذلك استأذن اللورد إدورد أن ينصرف على وعد العودة، وخرج تاركا اللايدي بنتن في هواجس وأفكار، وساعتها ورد إليها البريد فجعلت تفضه.
الفصل العشرون
تصاف
أما اللورد إدورد سميث، فعاد من عند عمته توا إلى خاله لكي يفاوضه بأمر الورق فرحب به جدا وتهلل وجهه بشرا، ولما دخل إدورد وجده منهمكا بمعالجة كلبه فسأله ما علته فقال: كنت في هذا الصباح في مكتبي هنا أقلب بعض الأوراق، وأكتب رسائل خصوصية إذ سمعت هذا الكلب يعوي عواء شديدا يدل على تألم فخطر لي أن بعض الخدم ضربه، وأنت تعلم أنه عزيز علي جدا فنهضت في الحال واندفعت إلى حيث العواء، فوجدت الكلب في المطبخ كالمجنون فخطر لي أنه قد كلب، فكلمته وجمشته ودلست ظهره ولاطفته، فلم يستكن ولكنه دنا إلي وتعلق بأهدابي كأنه يستغيث بي، ولم أر في وجهه وعينيه أعراض الكلب، فقلت للطباخ: «ما خبره؟» فقال: «لا أدري.» فجعلت أفحص بدنه فلم أجد فيه أثرا للضرب، ولكني رأيت أن شفتيه محمرتان متوردتان جدا؛ فاستدعيت كل الخدم وجعلت أستجوبهم عن أمره، فأنكروا كلهم أن واحدا منهم فعل به شيئا، ولكني رأيت هنري داي وحده مضطربا واجفا دون سائر الخدم فتهددته لكي يقر بالحقيقة، فقال: «إني اغتظت من الكلب لأنه يجلس إلى جانبي وأنا أتلمظ الطعام وأحيانا يتنفس في وجهي في حين أني أكره الكلاب، فلكي أنفره مني فركت شفتيه وأنفه بالفلفل الأحمر الحار.»
وما انتهى هنري هذا من حكايته حتى دفعت له حسابه وطردته من خدمتي. - إني أتأسف لذلك؛ لأني أعلم أن هذا الفتى أمين وغيور ونبيه. - والحق أقول لك أني أسفت جدا لطرده، ولكن عمله هذا غاظني جدا؛ فلم أتمالك أن أطرده على أنه إذا عاد أقبله.
فافتكر إدورد أن وجود هنري في بيت خاله قد يفيده فيما لو اقتضت الأحوال أمرا؛ فقال: سأكتب لأبيه أن يرده؛ لأن ذنبه لا يستحق الطرد. - تفعل حسنا. أراك قد أتيت إلينا في غير الميعاد المعتاد، عساك تود أن تتناول العشاء معنا. - أتناوله معكم، وإنما أتيت الآن لكي أسألك بعض المسائل وألتمس منك أمرا مهما أيها الخال. - خير إن شاء الله! سل ما تشاء فلا أعز عليك شيئا. - لا أشك في ذلك، بل أؤكد أني لو طلبت مالك كله لما بخلت به، ولكن ما أطلبه ليس مالا وإنما هو خبر صادق. - ماذا؟ سل. - سألتك غير مرة عن أهل أبي، فكنت تقول لي: إنهم أناس خاملون في قرية حقيرة، ولكني لم أر الآن هذا الجواب شافيا؛ فأرجو منك أن تخبرني عن حقيقة نسبي. من هو أبي ومن هم أهله ومن هي أسرته؟
صفحه نامشخص