ولما كان المساء قال المستر هوكر لإدورد وهما وأليس إلى المائدة: «أظنك تتوقع خيرا غدا إن شاء الله يا عزيزي.»
فارتعش بدن إدورد واكمدت طلعته قليلا؛ لأنه ظن أن خاله عرف بكل ما كان، وفكر في كيف عرف فلم يفطن إلى الأوراق التي رماها في السلة، فاكتفى بقوله: «من يعلم!» ولم يزد؛ كأنه كان يأبى الخوض في الحديث. أما أليس فلم تعلم معنى ما تبودل من الكلم القليلة بين أبيها وإدورد، ولا المناقشة التي جرت بينهما في اليوم السابق.
الفصل الثاني عشر
عزم النفس الشماء
وفي صباح اليوم التالي ورد إلى إدورد الرسالة الآتية:
مستر إدورد سميث
أنتظرك غدا الساعة الحادية عشرة في قصر مونتمار، وإذا لم ترني في باب الحديقة وحدي فابتعد، لا تدع أخي روبرت يراك، أو يعرف بوجودك هناك. أبد هذه الرسالة من الوجود وإلا كانت الأولى والأخيرة بيني وبينك.
لويزا
قرأها إدورد أولا وثانيا وثالثا، فلم يفهم منها شيئا غير موعد اللقاء، فحار في أمره، ولكنه رجح اليأس على الأمل، فامتطى جواده فوصل إلى قصر مونتمار الساعة العاشرة، فدنا من باب الحديقة فوجده مقفلا فعاد إلى وراء الآكام، وصار كل هنيهة يشرف على الباب فيجده مقفلا، وما دنت الساعة الحادية عشرة حتى كان قد أطل عشرين مرة، وفي المرة الأخيرة وجد لويزا واقفة في باب الحديقة فترجل ودنا منها فجن؛ إذ رآها وقد تقرح جفناها من البكاء، فامتثل أمامها وفؤاده ينتفض جزعا، وسألها من غير أن يحييها: ماذا جرى يا لويزا؟ - نتيجة ما عملت أمس. أما نصحتك ألا تفاوض والدي بشأني؟ - ماذا جرى؟ - قرأ أبي رسالتك ثم دفعها إلى أمي، فأمعنت النظر فيها قليلا. وكنت أرى ضبابة من الغيظ تتكاثف على محياها، ثم التفتت بروبرت وقالت: «لا يأت إدورد سميث إلى هنا بعد، ولا تجتمع به في مكان.» فسألها أخي عن السبب فقالت: «كذا أريد.» ومن ذا يرد إرادتها! - وماذا قال أبوك؟ - لم يفه ببنت شفة، ولكن كانت ملامحه تدل على موافقته لأمي. - هل قرأت رسالتي؟ - نعم قرأتها أنا وروبرت. - وماذا قال روبرت؟ - لم يقل شيئا، ولكنه لا يسعه إلا مطاوعة أمي. - إذن أصبح روبرت خصمي. - كذا في الظاهر على ما أظن. - أي شيء في الرسالة أغضب أمك؟ - ذلك ما لم أستطع أن أفهمه، فقد كان يمكنها أن ترفض الالتماس من غير أن تغضب وتسخط.
ثم تأمل إدورد برهة، وقال بفكره: «ما هي إلا وشاية خالي. لا يستحيل أنه رآني مصرا على مخالفته ومطاوعة هواي أوعز إلى اللايدي بنتن بأسلوب لا أعلمه أن بيني وبين لويزا صلة حب، فنفرها مني حتى إذا انتهت رسالتي إليها حمي غضبها، ألا يحتمل أن يكون فعل ذلك؟ نعم نعم، هذا هو الأرجح؛ فإني أرى هذا الرجل لا يغفل عن أي وسيلة لرد سبيلي إلى ابنته فما العمل؟» بعد هذا التأمل قال: لويزا. - ماذا؟ - بنيت في الليل الأسبق قصورا في الهواء، ولكني سأبنيها على الصخر إن شاء الله. - لم أفهم. - سيستحق إدورد سميث يدك إن شاء الله. - لم أفهم بعد. - ستفهمين، ولماذا كنت تبكين؟ - لأني سأحرم رؤيتك. - ستحرمينها إلى حين، وكل آت قريب، لا تفوتني الفرص التي أقدر أن أجتمع بك فيها، ولا أظننا يتعذر علينا أن نجتمع كما اجتمعنا الآن. - ولكن هذا الاجتماع لا يليق بابنة اللورد بنتن يا إدورد ...
صفحه نامشخص