فنظر إدورد إلى الحقيبة وهي في يد خاله بعين الاستغراب، وقال في نفسه: «مهما احتوت هذه الحقيبة فلا تغرني.» ولم ينبس ببنت شفة، ولا اهتم أن يعلم ما فيها؛ لأنه يضحي كل شيء في سبيل حبه للويزا، فلو كان في تلك الحقيبة تاج الإسكندر لرفسها برجله، وقال: «حب لويزا أمجد.» ولهذا ما اكترث بها، ثم استمر خاله في حديثه: ولعلك تود أن تعلم ما في هذه الحقيبة فلا تطمع بذلك الآن؛ لأن مفتاح سرها قرانكما لا سواه.
قال المستر هوكر هذا الكلام وقد تجرد من لهجة الانعطاف، فأجابه إدورد على الفور: دعها إذن مقفلة.
فنظر المستر هوكر إلى إدورد بعين الاستغراب، وفي نظرته ظل من السخط ضعيف جدا. - لا تزدرها يا إدورد، فإن المجد المخبوء لا ولأليس فيها لا يقل قط عن مجد اللايدي بنتن.
فقال إدورد في نفسه: «ومهما يكن هذا المجد، فما هو إلا قتام لدى سنا لويزا.» وبقي صامتا.
وبعد سكوت هنيهة قال المستر هوكر: أنت مخير الآن بين أمرين يا إدورد: إما هوان دائم بحب ابنة اللورد بنتن بل خذلان قريب على ما أظن، أو مجد سني جدا بزواجك من أليس. - أؤثر الهوان.
فنظر فيه المستر هوكر شزرا وكاد ينتهره ولكنه امتلك خلقه. - لا تظنني أعرض ابنتي عليك لأني لا أجد لها كفؤا، وإنما أعرض عليك مجدا لا يكون إلا بقرانك بها.
فكان إدورد يسأله «ما هذا المجد؟» ولكنه لم يكن يرضى بشيء حتى ولا بالملكوت الأرضي بدل حب أليس، فألجم لسانه عن هذا السؤال لكي يقصر الحديث وينتهي من هذه العظة العقيمة. - اعلم جيدا يا سيدي أن أليس تجد كثيرين أكفأ مني لها يتمنون يدها. - أتطمع بزوجة أفضل منها؟ - كلا، ولا بمثلها. - إذن لماذا لا تقبلها زوجتك، وتقبل معها مجدا عظيما؟ - هذا فوق طوقي يا سيدي. - أليس تحبك جدا يا إدورد. - وأنا أحبها ولكن كأختي، كذا ربينا معا.
وبعد سكوت قصير قال المستر هوكر: ألا تتأمل المسألة جيدا، فعساك ترعوي وتؤثر نصحي؟ - تأملتها كثيرا قبل الآن، وكنت كلما تأملت أصل إلى نتيجة واحدة، وهي أن أليس أختي لا أقدر أن أكون زوجها. - بل تأمل في الأيام المقبلة فتجد أني أقصد سعادتك يا إدورد، اذكر هذه الحقيبة الزرقاء واعتقد أني صادق بقولي فلا أغريك ولا أخدعك. - لا أشك بصدق قولك، ولكني لا آمل أن أجبل فؤادي جبلة ثانية . - إذن تصر على هواك؟ - فتنهد إدورد، وكاد الدمع يطفر من مقلتيه. - نعم لأن ما تبتغيه فوق قدرتي، فاعذرني. - إذن ضاعت كل آمالي فيك، بل ذهبت كل عنايتي سدى. ولو لم يكن فيما بذلته عليك نفع لك لندمت على ما فعلت لك، على أني لا أزال آمل أن تثوب إلى رشدك متى خذلوك.
ثم نهض المستر هوكر وهو لا يملك غضبه، وقد طلعت على جبهته غمامة من السخط قاتمة، ثم ذهب إلى معمله وترك إدورد والحزن يقطع في فؤاده، وهو يأكل أصابعه لوقوعه في أزمة شديدة، وصار يفكر في مخرج منها فلم يجد، وأصبح منذ ذلك الحين يوجس خيفة من خاله.
وكان كل هنيهة ينظر إلى الساعة لأنه كان ينتظر العصر للقائه بلويزا على ظهر جوادها مع أخيها في الطريق إلى مونتمار.
صفحه نامشخص