حقایق اسلام
حقائق الإسلام وأباطيل خصومه
ژانرها
ويسري هذا على كل تنظيم في أمور الدنيا ولا يسري على أمور الدين وحده؛ فلماذا يكون عدد الكتيبة في جيش هذه الأمة 50 - مثلا - ويكون في جيش أمة غيرها 40 أو مائة؟ ولماذا يجعل اللون الأخضر رمزا لهذا المعنى في ألوان العلم القومي عند قوم من الأقوام، وهو مجعول لغير هذا المعنى عند أقوام آخرين ؟
لا مناص في النهاية من أسباب توقيفية يكون التسليم بها أقرب إلى العقل من المجادلة فيها؛ لهذا يقل الخلاف بين أصحاب الأديان في شعائر العبادة حيث يكثر في كل كبيرة وصغيرة من شئون العقائد الفكرية أو عقائد الضمير.
إلا أن هذا كله لا يقضي علينا بقبول كل عبادة على كل وضع يخطر على البال، ولا يمنعنا أن نفاضل بين العبادات فنرى منها عبادة أفضل من عبادة وفريضة أولى بالاتباع من فريضة؛ إذ لا شك أن العبادة التي تؤدي غرضها أفضل من العبادة التي لا تؤدي هذا الغرض ولا تؤدي غرضا من الأغراض، ولا شك في وجود المزايا التي تتفاوت بها العبادات، وإن لم تكن هذه المزايا داخلة في الغرض المقصود بشعائر العبادات.
والغرض من عبادات الأديان ينطوي على أغراض متشعبة يضيق بها الحصر؛ لأنها تقابل أغراض الدنيا جميعا بأغراض الدين، ولكننا قد نجمعها جهد المستطاع في تنبيه المتدين على الدوام إلى حقيقتين لا ينساهما الإنسان في حياته الخاصة أو العامة إلا هبط به النسيان إلى درك البهيمية، واستغرق في هموم مبتذلة لا فرق بينها وبين هموم الحيوان الأعجم - إن صح التعبير عن شواغل الحيوان الأعجم بكلمة الهموم.
إحدى الحقيقتين التي يراد من العبادة المثلى أن تنبه إليها ضمير الإنسان على الدوام؛ هي وجوده الروحي الذي ينبغي أن يشغله على الدوام بمطالب غير مطالبه الجسدية وغير شهواته الحيوانية.
والحقيقة الأخرى التي يراد من العبادة المثلى أن تنبه إليها ضميره؛ هي الوجود الخالد الباقي إلى جانب وجوده الزائل المحدود في حياته الفردية، ولا مناص من تذكير الفرد لهذا الوجود الخالد الباقي إذا أريد فيه أن يحيا حياة بآثارها إلى ما وراء معيشته اليومية ووراء معيشة قومه، بل معيشة أبناء نوعه، وعبثا يترقى الإنسان من مرتبة البهيمية إلى مرتبة تعلوها إن جاز أن يعيش أيامه يوما بعد يوم وهو لا يذكر أنه مطالب بواجب أكبر من واجب الساعة أو واجب العمر كله؛ فإن الترقي في كل صورة من صوره يفضي إلى غاية واحدة هي خلاص الإنسان من ربقة الانحصار في مطالب اليوم والساعة، أو مطالب العمر المحدود بحياته الفردية. •••
عبادة المسلم في جميع فرائضها تتكفل له بالتنبيه الدائم إلى هاتين الحقيقتين.
إنه في صلاته يستقبل النهار ويتوسطه مرتين، ثم يختمه ويستقبل الليل بالوقوف بين يدي الله كأنه يستهديه في عمله ويؤدي إليه الحساب عن هذا العمل من ساعة اليقظة إلى الساعة التي يستسلم فيها للرقاد أو ينطوي فيها تحت جنح الظلام.
وإن المسلم في صيامه ليذكر حق الروح من شرابه وطعامه، ويذكر أنه ذو إرادة تأخذ بيديها زمام جسدها، ولا تترك لهذا الجسد أن يأخذ بزمامها ويتصرف بها على هواه، وأصح ما يكون الصيام الذي ينبه الضمير إلى هذه الحقيقة أن يقدر المرء على ترك الشراب والطعام فترة من الزمن، ولا يكون قصاره منها أن يستبدل شرابا بشراب وطعاما بطعام.
أما الزكاة في فرائض الإسلام، فهي المذكر له بحصة الجماعة من ماله الذي يكسبه بكده وكدحه، وهي المذكر له بأن يعمل لغيره ولا يعمل لنفسه وكفى، وهي الامتحان له فيما تهوى الأنفس من المال والمتاع؛ حيث كان الصيام امتحانا له فيما تهوى الأنفس من الشراب والطعام.
صفحه نامشخص