حنین به خرافه: فصولی در علم زائف
الحنين إلى الخرافة: فصول في العلم الزائف
ژانرها
عام 1973م، يقول فرانكل: «مهما تنوعت الخبرات التي يصدع بها أنصار اللامعقول فإنها تستند جميعا إلى نفس الحزمة من القضايا الأساسية. من هذه القضايا فكرة أن العالم الذي يعيش فيه الإنسان ينقسم إلى عالمين: عالم المظهر وعالم الحقيقة أو الواقع؛ الأول تسمه الصدفة والشك واللايقين والبرود والاغتراب، أما الثاني فيتبدد فيه الشك، ويفقد الزمن والموت وخزهما. وينغمد المرء في عالم موافق لأعمق رغباته، ويذوب الخلاف والاضطراب في حس شامل بالانسجام والاتساق».
هذه الرؤية للعالم تقوم على الاعتقاد بأن الاستبصار والحدس والإلهام الذاتي المباشر، هي مصادر المعرفة اليقينية، وإذا تضارب الحدس مع العقل فإن الحدس هو المرشد الأوثق إلى الحقيقة. الاستنارة (الحكمة) عند دعاة هذا الرأي أمر مفاجئ ومكتمل، والسبيل إليها أخلاقي لا فكري، وبالتالي فإن الجهد الفكري ليس يجدي في مقاربة الحكمة بل قد يعيقها، وهذا بالطبع مناقض للنظرة العلمية التجريبية التي تتخذ الملاحظة والاستدلال المتدرج والتحليل والحجة والاختبار كمصادر أوثق للمعرفة (أي إن التعلم شيء بطيء مجهد ويتطلب الانتباه، وبعبارة أخرى: التعلم تراكمي ويتم بواسطة المحاولة والخطأ). ويسلم التجريبيون بأن البدايات الزائفة والأخطاء سوف تقع وهذه ينبغي تصويبها بمزيد من العمل الجاد. (4-3) الدوافع الخفية
كثيرا ما يكون لأنصار العلم الزائف رهان مالي في الدعاوى التي يؤيدونها، ومن شأن هذا أن يجرح موضوعيتهم. صحيح أن العلماء التقليديين لديهم أيضا مصالح مالية في عملهم في هذه الأيام، ومن ثم يتعين أن تخضع دعاويهم للتمحيص بنفس الدرجة لكشف أي تحيزات من جانبهم عن قصد أو عن غير قصد، إلا أنه يجب أن نلاحظ أيضا أنه في المجالات العلمية المشروعة هناك بعض صمامات أمان ضد ذلك مبيتة في صميم المنظومة: السياسات الرقابية للوكالات العلمية المانحة ومؤسسات البحث والمجلات تجعل كشف صراع المصالح لدى الباحثين أكثر رجحانا، أما أصحاب العلم الزائف فإنهم - في الغالب - يمارسون عملهم خارج هذه المنظومة، وهم من ثم غير مضطرين إلى كشف أي تورطات من هذا النوع. (4-4) انعدام التدريب الرسمي
أغلب ممارسي العلم الزائف هم من أصحاب التعليم الذاتي، وكثيرا ما تكون مؤهلاتهم لا علاقة لها بالمجالات التي يقدمون فيها دعاويهم المشكوك فيها، فالمؤهلات الممتازة في مجال ما ليست ضامنة بالضرورة للكفاءة المماثلة في المجالات غير ذات الصلة، مثال ذلك أن وليم شوكلي، الحائز على نوبل لمشاركته في اختراع الترانزستور، قد مضى بعد ذلك يتحدث حديثا أسقفيا عن الأساس الجيني للفروق العنصرية في الذكاء!
وكثيرا ما يقابل ملاحظو الدجلنة أشخاصا دخلاء على المجال يتباهون بانعدام تعليمهم الرسمي، زاعمين أن ذلك يتيح لهم أن يضفوا على عملهم نظرة جديدة غير متحيزة، وأن الجهل بالإنجازات السابقة في المجال يتيح لهم أن يروا الحقائق التي خفيت عن أولئك الذين انغسلت أدمغتهم بطرائق التدريب القياسية.
صحيح أن هناك اختراقات علمية تحققت على أيدي هواة حملوا معهم مقاربات جديدة، إلا أن أغلب مجالات العلم في هذه الأيام هي من التعقيد - مفاهيميا وتقنيا - بحيث يستبعد جدا أن يقدم فيها إسهاما ثوريا من لم يتلق تدريبا وتمهنا رسميا. إن بصائر العلم غير مطواعة لغير العاكفين على العلم، وقد صدق باستير في ملاحظته: «الطبيعة تفضل العقل المؤهل»
Nature favors the prepared mind . (4-5) عقلية المتخندق
bunker mentality
بالإضافة إلى افتخار أصحاب العلوم الزائفة بعزلتهم، التي يعدونها علامة على الاستقلال الصارم، فإنهم قمينون أيضا أن يروا عدم الاعتراف بهم على أنه ناتج عن اضطهادهم أو قمعهم من جانب «مؤسسة» عدائية، ومن ثم فإن من علامات صاحب العلم الزائف تلك الرغبة في الانغماس في نظريات مؤامرة غاشمة، وإلا فكيف يفسر عدم تقبل شخص يعتبر نفسه جاليليو جديدا أو أينشتين أو باستير؟ ليس هؤلاء مولعين فحسب بدعاوى العظمة، بل كثيرا ما يبدون أيضا كراهة زائدة للاعتراف بالجهل. (5) أمارات محتوى العلوم الزائفة (5-1) عدم القابلية للتكرار
تعج العلوم الزائفة بادعاءات عن ظواهر تضاد القوانين الطبيعية، وتضاد البيانات القابلة للتكرار بسهولة في الحقول العلمية المشروعة، تتسم هذه الظواهر المزعومة بأنها لا يمكن إنتاجها عند الطلب، ولا يمكن التنبؤ بها بدقة. هي إذن أشياء غير قابلة للتكرار، وهو ما يعد عيبا وقصورا، غير أن أصحاب العلوم الزائفة قد يمجدون ذلك ويعلون من شأن هذه الظواهر إلى مرتبة «كشف في ذاته»، ويمنحونها نعتا مجيدا مثل «أثر الحياء»
صفحه نامشخص