حنین به خرافه: فصولی در علم زائف
الحنين إلى الخرافة: فصول في العلم الزائف
ژانرها
regression
إلى مراحل قديمة من تطور الفكر البشري. أما التفكير الخرافي عندنا فيبدو من قبيل «التثبيت»
fixation ، من الجمود والتوقف عند أوضاع قديمة، والخوف من التخلي عنها وتجاوزها.
حين تنكص المجتمعات الصناعية الكبرى إلى بعض مظاهر التفكير الخرافي (قراءة الطالع، الأرواح والأشباح، الأطباق الطائرة، الذين هبطوا من السماء، الجلاء البصري، الحاسة السادسة ... إلخ) فإنما تفعل ذلك لعجز اجتماعي لا لعجز معرفي أو فكري. يتمثل هذا العجز الاجتماعي في عدم القدرة على التحكم الواعي في مسار المجتمع، وفي القوى التي تسيطر عليه. ويظل الفكر الخرافي هناك ظاهرة هامشية لا ضرر منها ما دام أسلوب الإنتاج السائد لا يسمح بوجود عناصر غير محسوبة أو غير متوقعة، وما دامت الحياة اليومية ذاتها تخضع لنظام محدد لا مجال فيه للاستثناءات أو الانحرافات، والمجرى العام للحياة يخضع للضوابط العقلية والتخطيط المدروس.
يمثل الفكر الخرافي في الغرب رد فعل على العلم المتغلغل في صميم كيان المجتمع، ومحاولة للتخلص من قبضة تلك العقلانية المحكمة التي تمسك بجميع جوانب حياة الناس عن طريق بعث عناصر لا عقلية من مكمنها اللاشعوري. إنه تعبير عن تمرد الشعوب الخاضعة للعقل على هذا العقل نفسه، ورغبتها في الخروج عنه، ولا يتم ذلك إلا بصورة مؤقتة؛ لأنها في النهاية تعود إليه، ولا تستطيع التخلص منه بعد أن أصبحت كل جوانب حياتها تنظم وفقا له،
20
لكأنها قفزة غطاء الوعاء وهو يتميز من الضغط الداخلي، تفرج قليلا عن الضغط الزائد لكي يعود الغطاء سيرته الأولى، ولعل هذه القفزة اللاعقلية ذاتها هي ما يساعد الوعاء على تحمل ضغوط الحياة الصناعية بإيقاعها السريع ونظمها الحتمية الصارمة، وهكذا يكون التفكير الخرافي في هذه الحالة منبثقا من قلب التفكير العلمي والعقلي، ولا يفهم إلا في إطاره.
حين يرتد الغربي عن التفكير العلمي فإنما يفعل ذلك من موقع الاندماج فيه لا من موقع الجهل به أو الخوف منه أو العجز عن تحقيقه. إن البون جد بعيد بين الفكر الخرافي حين يكون تعبيرا عن جمود متأصل وتحجر على أوضاع ظلت سائدة قرونا طويلة دون أن يرغب المجتمع في تغييرها أو يجرؤ عليه، وبين هذا الفكر ذاته حين يكون تعبيرا - محدود النطاق - عن رغبة في التغيير يشعر بها مجتمع لا يستطيع أن يظل أمدا طويلا على حالة واحدة، حتى لو كانت هذه الحال هي التفكير العقلي الرشيد.
21
الفصل الثاني
صفحه نامشخص