حنین به خرافه: فصولی در علم زائف
الحنين إلى الخرافة: فصول في العلم الزائف
ژانرها
parabolas
بلا عودة أبدا، والبعض الآخر يتحرك في مسارات بيضاوية معتادة، وقد عقد هالي
Halley - الذي يعمل ببرنامج نيوتن - حساباته القائمة على ملاحظة تمدد مختصر في مسار مذنب معين، وخلص منها إلى أنه سوف يعود بعد 72 سنة، وحسب الدقيقة التي سوف يرى فيها مرة ثانية في نقطة من السماء حددها جيدا. كان هذا شيئا لا يصدق، إلا أنه بعد 72 عاما، بعد وفاة كل من نيوتن وهالي بزمن طويل عاد مذنب هالي كما تنبأ هالي بالضبط. كذلك تنبأ العلماء النيوتنيون بوجود كواكب صغيرة (وبحركتها الدقيقة) لم تلاحظ من قبل قط. أو فلننظر إلى برنامج أينشتين: لقد اجترح هذا البرنامج تنبؤا مذهلا بأن المرء إذا قام بقياس المسافة بين نجمين بالليل وقياس المسافة بينهما بالنهار (إذ هما مرئيان أثناء كسوف للشمس ) فإن القياسين سوف يختلفان! لم يفكر أحد قط أن يقوم بهذه الملاحظة قبل برنامج أينشتين. هكذا نرى أنه في البرنامج البحثي المتقدم تؤدي النظرية إلى اكتشاف وقائع جديدة مجهولة حتى الآن. أما في البرامج المتنكسة فتلفق النظريات، لا لشيء إلا لكي تستوعب الوقائع المعروفة، فهل تنبأت الماركسية - مثلا - في يوم من الأيام بواقعة جديدة مذهلة تنبؤا ناجحا؟ كلا، إن لها تنبؤات مخفقة شهيرة: تنبأت بالفقر المطلق للطبقة العاملة، وتنبأت بأن أول ثورة اشتراكية سوف تحدث في المجتمع الأكثر نموا صناعيا، وتنبأت بأن المجتمعات الاشتراكية ستكون خالية من الثورات، وتنبأت بأنه لن يكون ثمة صراع مصالح بين البلاد الاشتراكية. هكذا كانت التنبؤات المبكرة للماركسية جريئة ومذهلة غير أنها أخفقت. وقد قام الماركسيون بتفسير كل إخفاقاتهم: فسروا ارتفاع مستوى معيشة الطبقة العاملة باختراع نظرية في الإمبريالية، بل فسروا لماذا وقعت أول ثورة اشتراكية في روسيا المتخلفة صناعيا، وفسروا برلين 1953م وبودابست 1956م وبراغ 1968م، وفسروا الصراع الروسي الصيني، ولكن فرضياتهم المساعدة
auxiliary hypotheses
جميعا تم طبخها «بعد الحدث» لكي يحموا النظرية الماركسية من الوقائع، فإذا كان البرنامج النيوتني قد أدى إلى وقائع جديدة فإن البرنامج الماركسي قد تقهقر خلف الوقائع وجعل يركض بسرعة لكي يلحق بها.
مجمل القول أن السمة المميزة للتقدم التجريبي ليس تحقيقات تافهة؛ فبوبر على حق في أن هناك الملايين منها، فليس نجاحا للنظرية النيوتنية أن الأحجار عندما تسقط تقع تجاه الأرض مهما تكرر ذلك، غير أن ما يسمى «تفنيدات»
refutations
ليس السمة المميزة للإخفاق التجريبي كما كان يبشر بوبر؛ إذ إن جميع البرامج تنمو في خضم دائم من الشذوذات. أما الفيصل حقا فهو التنبؤات المذهلة المباغتة المشهودة؛ فقليل منها يكفي لقلب الميزان، وحيثما تخلفت النظرية وراء الوقائع نكون بإزاء برامج بحث متنكسة بائسة.
والآن، كيف تحدث الثورات العلمية؟ إذا كان لدينا برنامجان للبحث متنافسان: أحدهما يتقدم بينما الآخر يتنكس، يميل العلماء إلى الالتحاق بالبرنامج المتقدم. هذا هو الأساس المنطقي للثورات العلمية، ولكن في حين أنه من الأمانة الفكرية أن نبقي على السجل معلنا، فليس من الخيانة أن نتمسك ببرنامج متنكس ونحاول تحويله إلى برنامج متقدم.
وبخلاف بوبر فإن منهج برامج البحث لا يقدم عقلانية فورية، فالمرء ينبغي أن يعامل البرامج المبرعمة بتساهل: فقد تأخذ البرامج عقودا قبل أن تقف على قدميها وتصبح متقدمة تجريبيا، والنقد الهام هو دائما نقد بناء: ليس ثمة تفنيد بدون نظرية أفضل. كما أن توماس كون مخطئ في اعتقاده أن الثورات العلمية تغيرات لاعقلانية مفاجئة في الرؤية. إن تاريخ العلم يدحض كلا من بوبر وكون: فالتفحص الدقيق لتجارب بوبر الفاصلة وثورات كون يتكشف أنهما خرافتان؛ ذلك أن ما يحدث عادة هو أن البرامج البحثية المتقدمة تحل محل البرامج المتنكسة.
صفحه نامشخص