حنین به خرافه: فصولی در علم زائف
الحنين إلى الخرافة: فصول في العلم الزائف
ژانرها
والمزية الثانية للطب الكلي توكيده على الوقاية، إن الوقاية أقل كلفة وأقل كراهة، ويمكن أن تكون أكثر فاعلية، ربما يندهش الكثيرون حين يعلمون أن التقدم الصحي الذي حدث في القرنين الأخيرين مصحوبا بإطالة معدل الأعمار لا يعزى إلى تقدم العلاج الدوائي والجراحي بقدر ما يعزى إلى الإجراءات الوقائية المتنوعة: الصرف الصحي، تنقية المياه، بسترة اللبن، تحسن الأطعمة ... إلخ. الحق أن زيادة معدل الأعمار يعود بالدرجة الأولى إلى انخفاض نسبة الوفيات بين الأطفال بفضل هذه الإجراءات الوقائية وبفضل إدخال الفاكسينات التي تقي أيضا من الأمراض المعدية في سن الشباب.
والمزية الثالثة أنه يساعد المريض على التماسك أمام المرض والعجز والألم. إن الطب التقليدي على تقدمه الملحوظ ما زال يقف عاجزا تجاه الكثير من الأمراض الجسمية ولا يقدم إلا شيئا من إبطاء التدهور يتكبد فيه المريض نظاما مرهقا من الأدوية المزعجة والتشوه الجراحي، وعلى الناس أن تمشي بدائها فترة أطول. هنا يتقدم الطب الكلي بخدمة كبيرة؛ إذ يجعل قدرة الناس على مسايرة المرض، من خلال التأمل والاسترخاء العضلي والخيال الإيجابي، أمرا أكثر يسرا وإرضاء. (4-7) الطب الكلي والمناعة النفسية
يؤمن الممارسون الكليون بأن العقل يمكن أن يؤثر على الجسم على نحو لا يمكن تقييمه بدقة في وقتنا الحالي. ثمة أطروحة علمية رصينة تقول بأن مزاج المرء وشخصيته يمكن أن يؤثرا في الأداء الوظيفي لجهاز المناعة، وثمة صيحات شعبية متحمسة تقول بأن الانسجام الروحي والتكامل الأخلاقي لهما تأثيرات مماثلة. والكليون من كلا الطرفين يحاجون بأن الخيال الذهني قد يمنع المرض العضوي أو يوقفه.
هذه الدعاوي تمس منطقة من أكثر مناطق البحث إثارة في العلم كله، وهي حقل علم المناعة السيكولوجي
psychoimmunology ، ويعنى الباحثون في هذه المنطقة برسم خريطة المسارات البيوكيميائية التي تصل الدماغ بالجهاز المناعي، وبالتالي بكيف يمكن أن تؤثر الحالات النفسية بصحة الشخص. والحق أنه رغم تحقيق بعض الكشوف المثيرة في هذا المجال فإنه لم يتقدم بعد بما يسمح بتقديم نقد حاسم لشتى الدعاوي المذكورة آنفا، ومن الحصافة ألا يبالغ المرء في التنبؤات المنتظرة في هذا الحقل، وأن يراهن على الدعاوى الأكثر قصدا وتواضعا.
الحالة النفسية لها تأثير على جهاز المناعة، هذه حقيقة معروفة منذ سنين (التوتر العصبي يمكن أن يؤدي إلى المرض)، ولكن ثمة مبالغات يشيعها المتحمسون في هذا الصدد (دخول امتحان/كتم الغضب/التسلط على الغير/العزلة الاجتماعية ... من شأنها تثبيط المناعة، بينما الاسترخاء/الخيال الذهني/مشاهدة فيلم كوميدي ... من شأنها حفز المناعة)، هذه المبالغات وأمثالها تتركنا مع وجود غير وجودنا الذي نعرفه، وعالم غير عالمنا، عالم لا يمرض فيه - غالبا - إلا التعيس وغير الاجتماعي والمكبوت، عالم يمكن فيه لأفكارنا المحضة تخفيف ضراوة المرض. هذه المبالغات تأخذنا بعيدا عن واقع عالمنا الذي يضرب فيه المرض عشوائيا ويتفاقم بلا رحمة، ويعتل فيه المرء رغم سلامة حالته النفسية وارتفاع معنوياته وحرصه على دوام صحته.
الحقيقة أن من علماء المناعة من يشك في أن تغيرات في الوظيفة المناعية كالتي ذكرناها يمكن أن تعرض الشخص للمرض؛ إذ ليس هناك مقياس صادق فريد للكفاءة المناعية، فالذي هنالك هو جمع من المؤشرات التي ترتبط بطرق معقدة بالقدرة الكلية للشخص على مقاومة المرض، وبالتالي فإن القصور المؤقت في وظائف مناعية معينة قد لا يكون هائل الدلالة؛ لأنه متبوع في الغالب الأعم بتعاف سريع ويمكن أن يعوض عنه بتغيرات في مناطق بديلة من الجهاز المناعي.
49
وهناك باحثون آخرون يحاجون بأنه بينما يمكن للحالات النفسية أن تؤتي بعض التأثير على بداية المرض فإن من المرجح أنها لا قدرة لها على التأثير على المرض العضوي المتقدم.
50
صفحه نامشخص