وإن السبب الذي بعث على جمع نتف من أخبار العرب في حنينها إلى أوطانها، وشوقها إلى تربها وبلدانها، ووصفها في أشعارها توقد النار في أكبادها، أني فاوضت بعض من انتقل من الملوك في ذكر الديار، والنزاع إلى الأوطان، فسمعته يذكر أنه اغترب من بلده إلى آخر أمهد من وطنه، وأعمر من مكانه، وأخصب من جنابه. ولم يزل عظيم الشأن جليل السلطان، تدين له من عشائر العرب ساداتها وفتيانها، ومن شعوب العجم أنجادها وشجعانها، يقود الجيوش ويسوس الحروب، وليس ببابه إلا راغب إليه، أو راهب منه؛ فكان إذا ذكر التربة والوطن حن إليه حنين الإبل إلى أعطانها، وكان كما قال الشاعر:
إذا ما ذكرت الثغر فاضت مدامعي
وأضحى فؤادي نهبة للهماهم
حنينا إلى أرض بها اخضر شاربي
وحلت بها عني عقود التمائم
وألطف قوم بالفتى أهل أرضه
وأرعاهم للمرء حق التقادم
وكما قال الآخر:
يقر بعيني أن أرى من مكانه
ذرى عقدات الأبرق المتقاود
وأن أرد الماء الذي شربت به
سليمى وقد مل السرى كل واخد
وألصق أحشائي بيرد ترابها
وإن كان مخلوطا بسم الأساود
صفحه ۳۸۴