فالتفتنا إليه بحركة أتوماتيكية، وكان قلبي يخفق خفقانا غريبا على أثر نداء الشيخ، وذكرني بشبيه له قديم كان يفصل في حياتي بين الفشل والنجاح واليأس والأمل، وهبطنا السلم دون إبطاء لأن الرجل كان قد عاد أدراجه، وتبعناه وكلانا يغالب رغبة في العدو.
ووجدنا الرجال الثلاثة يزحزحون صخرة كبيرة، مساحتها متر مربع على وجه التقريب، فدنونا منهم فرأينا الصخرة تكشف عن فوهة في مثل اتساعها، فنظرت إلى الباشا، ونظر إلي بعينين تنطقان بالدهشة والذهول، ثم نظرنا إلى داخل الفوهة فرأينا سلما صغيرا ينتهي إلى دهليز يتجه إلى الداخل موازيا لسطح الأرض. وكانت الشمس تؤذن بالمغيب، فقلت للباشا: «إلينا بمصباح.» فأرسل الباشا أحد الخادمين لإحضار مصباح، وعاد الرجل بالمصباح فأمرته أن يتقدمنا، ولكنه تردد وانكمش فهممت بأخذه منه، ولكن كان الشيخ جاد الله أسرع مني إليه، فأمسك به بيده ومضى يتلو من القرآن وتعاويذ غريبة، ثم نزل بقدمين ثابتتين فتبعته وتبعني الخادمان المضطربان.
ووجدنا أنفسنا في دهليز مستطيل لا يتجاوز طوله عشرة أمتار، ويعلو سقفه عن هامتنا بعدة أشبار، وكانت أرضه متربة، أما جدرانه فمن الجرانيت. وتقدمنا جميعا في خطوات بطيئة حتى اعترض سبيلنا باب حجري يأخذ على المقتحمين طريقهم، ولم يكن منظره غريبا علي ولا الرموز المحفورة في وسطه، فجرى بصري عليها، ثم التفت إلى الباشا وقلت بصوت متهدج: لقد اكتشفت يا صاحب السعادة مقبرة أثرية .. فها هنا يرقد القائد حور من عظام الأسرة الثامنة عشرة.
ولكن الشيخ جاد قال بعنف وغضب: بل وراء هذا الباب كنز .. هكذا يقول الكتاب الذي لا يكذب.
فهززت كتفي قائلا: سمه كيف شئت، المهم أن نفتحه.
فعاد الشيخ يقول: فتح الكنز عمل يسير؛ فهذا الباب لا يطيع ويرضخ إلا بقراءة طويلة أبدؤها الآن وأستغرق حتى مطلع الفجر .. هل أنتم مطهرون؟
وتأثر بأقواله الخادمان ونظرا إلى مولاهما بارتباك؛ لأنهما اعتقدا أنهما على وشك المثول في حضرة القوة الخفية. ولم يكن في الوقت متسع للتطهر والقراءة، فقلت للشيخ بحزم: إننا لم نبلغ هذا الباب بقراءة، فينبغي أن نقتحمه بمثل ما اقتحمنا الذي قبله.
وهم الشيخ أن يعترض ولكن لم يجده اعتراضه، وانتهره الباشا فصمت وهو يرمقني شزرا. واستأنفوا العمل من جديد، وتيقظت غريزتي فعملت معهم حتي أزحت العقبة الكئود، ووجدنا أمامنا منفذا إلى مثوى حور الأبدي.
وكنت خبيرا بتلك الأعمال، فأمرتهم أن يتريثوا في أماكنهم وقتا قصيرا ريثما يتجدد الهواء، وكانت ساعة انتظار شديدة الوقع علينا جميعا. وكان الباشا صامتا ذاهلا كمن هو في حلم عجيب، وكان الخادمان ينظران بعينين ساهمتين إلى الرجل الذي يؤمنان به، وكان الشيخ يحملني تبعة ما قد يحدث لاستهانتي برأيه. أما أنا فكنت أحلم بما عسى أن يقع عليه بصري، وساءلت نفسي: تري هل من المستطاع أن أفوز بتحفة أثرية أزين بها عقد متحفنا الخالد في باريس؟
ثم دخلت، ودخل خلفي الأرنئوطي باشا ثم الشيخ جاد الله، وآثر الخادمان أن يلبثا في الدهليز الخارجي؛ فلما اختفى عنهما نور المصباح وأظلم المكان اندفعا إلى الداخل وانكمشا في ركن، وكانت حجرة تابوت كما يدل مظهرها، وقد شاهدت أمثالها مرات عديدة، وكان التابوت موضوعا في مكانه وعلى غطائه صورة ذهبية لصاحبه، وإلى جانبه تقوم ثلاثة تماثيل بالحجم الطبيعي؛ أحدها لرجل - من المرجح أنه حور نفسه - والآخر امرأة يستدل من وضعها إلى جانبه أنها زوجه، وأمامها تمثال صغير لغلام، وفي الناحية المقابلة وضعت صناديق مغلقة وآنية ملونة ومقاعد ومناضد وعدد حربية، وكانت الجدران ملأي بالرسوم والنقوش والرموز.
صفحه نامشخص