فدنا منها وعلى وجهه ابتسامة تبعث الطمأنينة وسألها: ما بك يا سيدتي؟
فارتمت على مقعد بين يديه وراحت تروي له قصة ذلك المرض الوبيل الذي فاجأها لدى الصباح فاضطرها إلى أن تقصد إليه دون أن تتريث لحين أوبة زوجها من الوزارة، واستمع الطبيب إليها في دهشة وحيرة وهو يحاول عبثا أن يوفق بين ما يروى له، وبين هيئة السيدة المتزوجة التي تنطق بالحشمة والصون.
ثم أدى واجبه الدقيق بعناية فثبت لديه ما كان منه في ريب، واكفهر وجهه وهو يقول: سيدتي .. إنه لأمر مؤثر .. لقد أصبت بمرض خبيث .. بمرض سري.
فانقبضت المرأة قائمة وجحظت عيناها من الهلع والذعر، وقد ضاع ألمها المبرح في تيار الخوف الجديد وصاحت به: مرض؟ - نعم يا سيدتي .. إني أعني ما أقول، ولكن هدئي من روعك واملكي زمام نفسك حتى لا تجر هذه الكارثة وراءها كوارث أخرى أشد إيلاما. أقلت إنك متزوجة؟
فأحنت رأسها أن نعم وهي لا تدري، فاستطرد الطبيب قائلا: وا أسفاه، إن الشهوات تعمي الرجال حتى المتزوجين منهم. ومهما يكن من شيء فالواجب يحتم عليك أن تجابهي زوجك بالحقيقة، وقد كان الواجب عليه أن يصونك من عواقب مغامراته. أما وقد وقع المحظور فلا محيد من تنبيهه واصطحابه إلي وإلا ذهبت محاولة علاجك سدي.
ولكن خرجت من المرأة صرخة مبحوحة، وقالت بسرعة وهي تلهث: كلا .. كلا .. لا يمكن أن يكون ذلك .. بادر إلى علاجي ودع أمر زوجي. - ولكن ... - بالله لا تجادلني .. لا ينبغي أن يعلم زوجي من الأمر شيئا .. أد واجبك وسينتهي الأمر إلى خير إن شاء الله.
فاستولت الدهشة على الطبيب، وأنعم النظر في الوجه القلق الذي طغت آلام نفسه على آلام جوارحه فطالع فيه الألم والرعب والإثم .. يا للهول! أيمكن أن يكون ما لم يقع له في حسبان أبدا .. أيمكن أن تكون هي الجانية على نفسها، وربما على زوجها أيضا؟!
وما من شك في أن الزوج مهدد بخطر عظيم، إن لم يكن أدركه بالفعل فهو على وشك أن يدركه، وربما وقع في متناول الأذى أطفال أبرياء يحبون .. فما العمل؟ وكيف يتأتى له أن ينقذ هذه النفوس مما يوشك أن يحيق بها من غير أن يهتك ستر هذه المرأة الآثمة الهلعة المتألمة؟
وأحاط به هم التبلبل والحيرة حتى ضاق صدره، فحدث نفسه: لماذا أزج بنفسي في شئون الناس وآلامهم؟ .. إني طبيب، وما ينبغي لي أن أجاوز حدود مهنتي .. وبين يدي امرأة ملوثة، فلأشرع في معالجتها والأمر من بعد ذلك لله.
واطمأنت نفسه إلى هذا الرأي وهم بمباشرة عمله، ولكن سرعان ما عاودته أفكاره وقسرته نفسه على مراجعة التفكير في أمر هذه الأسرة المهددة، فرأى أن يتخذ طريقا وسطا فقال: سيدتي، ينبغي أن تعلمي أن زوجك في خطر عظيم .. وأن إخفاءك الأمر حينا لن يمنع الحقيقة من الظهور.
صفحه نامشخص