وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون
والإنفاق الصرف أو الإخفاء بالإذهاب، ألا ترى نافقاء اليربوع؟ والنفق الذى هو السرب فى الأرض؟ ونفاق السوق وهو ذهاب ما فيها بشرائه؟ رغبة فيه بل غالب ما فيه دون وفاء دال على الذهاب، والخروج كالنفث فانه إخراد ريق قليل أو ريح قليلة، وكالنفل فإنه التبرع بما عندك وكالنفار والنفاد، فإنه الوصول من جانب لآخر والنفود وهو انقضاء الشىء ضد البقاء
ما عندكم ينفد وما عند الله باق
وكالنفف فانه السرب يذهب فيه الشىء ويخفى، وكالنفخ فإنه إخراج صوت وريح من فم أو أنف، وكالأنف من الشىء وهو التكبر عن الشىء والخروج عنه، وكالنفس فإنه خروج ريح من أنف. والنفس التوسع وهو خروج عن الضيق وكالنفظ والنقط وغير ذلك بل لو قيل كل لفظ فيه نون وفاء كذلك لصح، لكن بعض بظهور وبعض بتأويل.
[2.4]
{ والذين يؤمنون بما أنزل إليك } يا محمد من القرآن والسنة والإيمان بما أنزل منهما يتضمن الإيمان بما أنزل منهما. أو المراد بما نزل إليك ما أنزله وما سينزل تغليبا لما نزل على ما ينزل تسمية للكل باسم البعض، أو تنزيلا لما ينزل منزلة ما نزل على الاستعارة والتشبيه، شبه ما لم يتحقق نزوله بما تحقق نزوله، وفى الوجهين جمع بين الحقيقة والمجاز. والتحقيق ما ذكرته قبلهما فافهمه، فلعلى لم أسبق به. والجمع بين الحقيقة والمجاز ولو أجازته جماعة منهم الشافعى، لكن خلاف الأصل فلا يتركب مع وجه صحيح لا تكلف فيه. { وما أنزل من قبلك } من التوراة والإنجيل وغيرهما. وهم أهل الكتاب الذين أسلموا كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار. وهذا فى مؤمنى أهل الكتاب. وقوله للمتقين فى مؤمنى العرب، أو فى مؤمنيهم ومؤمنى غير أهل الكتاب. وإن قلت فلم خص أهل الكتاب بذكر إيمانهم بما أنزل إلى سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وما أنزل من قبله؟.. قلت لتقدم عهدهم بالإيمان بما أنزل من قبله متضمنا الإيمان بما أنزل إليه، ولانتساب التوراة والإنجيل إليهم بخلاف غيرهم، فمن آمن بالقرآن فإن كتابهم القرآن فلم يذكر فى شأنهم غيره، مع أن بإيمانهم به إيمان بغيره متضمن له، ولأنه قد وصفهم بالاتقاء. ومن لم يؤمن بكتاب من كتب الله أو بحرف فليس بمتق. ويجوز أن يكون المراد بقوله للمتقين مؤمنو العرب، ومؤمنو أهل الكتاب، ومؤمنو غيرهم. والمراد بقوله { والذين يؤمنون بما أونزل إليك وما أنزل من قبلك } مؤمنو أهل الكتاب، خصصهم بالذكر بعد دخولهم فى عموم المتقين لمزيتهم المشار إليها بنحو قوله تبارك وتعالى
أولئك يؤتون أجرهم مرتين
فالعطف فى هذا الوجه عطف خاص على عام. كعطف الصلاة الوسطى على الصلوات. وجبريل على الملائكة، والنحل والرمان على الفاكهة، ويجوز أن يكون المراد بالمتقين كل متق من العرب، أو من أهل الكتاب، أو من غيرهم. والمراد بالذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك كل متق كذلك قالوا وعلى هذا الوجه عاطفة للصفة وهى لفظ الذين الثانية على الصفة الأخرى وهى لفظ الذين الأولى مثل قولك جاء زيد العالم الكريم، تريد جاء زيد العالم والكريم. وإن العلم والكرم كليهما صفتان لزيد، فذلك الإيمان بالغيب وإقامة الصلاة والإنفاق مما رزقهم الله، والإيمان بما أنزل إلى سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وما أنزل من قبله. كل ذلك صفات للمتقين. ومن عطف الصفات لموصوف واحد كذلك قوله
إلى الملك القرم ابن الهمام وليث الكتبية فى المزدحم
فإن المراد بابن الهمام وليث الكتيبة هو المراد بالملك القرم، فقد وصف إنسانا واحدا بأنه قرم أى كفحل مكرم لا يحمل عليه وبأنه ابن الهمام أى ابن الملك، سمى الملك هماما لأنه يهتم بالمعالى، أو يفعل ما اهتم به، وبأنه أسد الجيش فى موضع الازدحام للقتال.
صفحه نامشخص