400

هميان الزاد إلى دار المعاد

هميان الزاد إلى دار المعاد

مناطق
الجزایر

فأتنا بعذاب أليم

فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم

ونحو ذلك، وحكمة إتيان العذاب فى الغمام، والإتيان بالغمام للعذاب، أن الغمام مظنة العذاب، ومنه ينزل المطر، وإذا جاء العذاب من حيث لا يتوقع لا يسمى من حيث ترخى المنفعة كان أعظم على النفس لبعده عن وهمها، ولذلك اشتد على المتفكرين فى كتاب الله عز وجل قوله عز وجل

وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون

وزعم الكلبى وسفيان بن عيينة فى ذلك ومثله أنه لا يفسر، بل يوكل إلى الله، وقال الزهرى والأوزاعى، ومالك، وابن المبارك، وسفيان الثورى، والليث بن سعد، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه يقرأ ويفسر على ظاهره بلا كيف ولا تشبيه حتى قال قائلهم

عقيدتنا أن ليس مثل صفاته ولا ذاته شئ عقيدة صائب نسلم آيات الصفات بأسرها وإخبارها للظاهر المتقارب ونويس عنها كنه فهم عقولنا وتأويلنا فعل اللبيب المغالب ونركب للتسليم سفنا فإنها لتسليم دين المرء خير المراكب

وكلا القولين خطأ أما قول الكلبى وابن عيينة فلأنه جمود عن الحق مع ظهوره، لأنا إذا أولناه بما ذكرنا فقد وافقنا سائر الآيات والأحاديث الناهية عن التشبيه، ومعنى ذلك التأويل فى نفسه مجمع عليه لا مخالف فى ذاته، وإنما خالف من خالف فى تأويل الآية به، وإذا كان ذلك المعنى مجمعا عليه فأى مانع من تفسير الآية به، وأما قول الزهرى ومن معه فلزم عليه إذا فسره بظاهره الوقوع فيما فروا منه من التشبيه، ولم يغن عنهم قولهم بلا تكييف ولا تشبيه، وزعم الطبرى - قبحه الله - بسنده المتصل عن عكرمة عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال

" من الغمام طاقات يأتى الله - عز وجل - فيها محفوفا، وذلك { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله فى ظلل من الغمام } ".

{ والملائكة وقضى الأمر } قال عكرمة والملائكة حوله، فإن صح ذلك فالمعنى من الغمام طاقات يأتى عذاب الله عز وجل فيها محفوفا ذلك العذاب بالغمام والملائكة حول الغمام لا حول الرب - تعالى عن الجهة - كام زعم زاعم. ومعنى قضى الأمر فرغ من إهلاكهم، وهو بمعنى يقضى نزل منزلة ما مضى لتحقق أنه وقع، ولدنوه وذلك توعد فى الدنيا وهو الظاهر، وبه قال ابن جريج، وقيل ذلك كله يوم القيامة يفرغ من حسابهم، كما قال بعض إن ظهور الغمام علامة لظهور القيامة وأهوالها، وهو ظاهر الرواية السابقة للطبرى عن ابن عباس وعكرمة، وقيل إتيان الله تعالى وعيد بيوم القيامة وإتيان الملائكة وعيد يأتيهم عند الموت، والظلل جمع ظلة، وهى ما علا رأسك وأظلك، وقرئ بكسر الظاء على أنه جمع ظلة بكسرها، أو جمع ظل، والغمام السحاب الأبيض الرقيق الأصفى الأحسن، سمى غماما، لأنه يغم ويستر، وقيل هو شئ غير السحاب لم يكن إلا لبنى إسرائيل فى تيههم، وهو كهيئة الضباب الأبيض، وعن النقاش ضباب أبيض، وفى متعلقة بقوله { يأتى } إن جعلنا فى بمعنى الباء أو بمحذوف حال من اسم الجلالة إن قدرنا مضافا أو متعلقا، والحالية باعتبار ذلك المضاف، أو لمتعلق والملائكة معطوف على اسم الجلالة، وقرئ بالجر عطفا على الظلل، أو على الغمام، فإن الظلة كما تكون من الغمام تكون من الملائكة، وقرأ معاذ بن جبل رضى الله عنه، وقضاء الأمر بالمصدر المرفوع عطفا على اسم الجلالة، أو على الملائكة، ويجر الأمر على الإضافة.

{ وإلى الله ترجع الأمور } بالتاء الفوقية والبناء للمفعول، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائى بالفوقية والبناء للفاعل، وكلتا القراءتين من مرجع الثلاثى المتعدى، أو من أرجع بالهمزة، وقرأ يعقوب بالتحتية والبناء للفاعل من مرجع الثلاثى اللازم، وقرأ بعض بالتحتية والبناء للمفعول من رجع المتعدى أو من أرجع بالهمزة، والأمر مرفوع فى تلك القراءات كلها، والأمر راجع إلى الله فى الدنيا والآخرة، وقيل هلاكهم، وعنده وبعده، ولكنه ذكره لما عند هلاكهم وبعده، أو ليوم القيامة لزوال ما كان يجرى قبل ذلك على أيدى الملوك وغيرهم، أو لأن ذلك كناية عن المجازاة على أعمالهم وأعمال غيرهم بالثواب والعقاب، ولأنهم كانوا فى الدنيا يعبدون غير الله، ويردون الأمر إلى غيره تعالى، فقال إنهم بعد ذلك يتركون غير الله ويسلمون إلى الله جل وعلا. قال الشيخ هود رحمه الله ذكر بعضهم أنه إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم العكاظى، ثم يحشر الله فيها الخلائق من الجن والإنس، ثم أخذوا مصافهم من الأرض، ثم ينادى مناد

صفحه نامشخص