اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله
ومنها إهانة المأمور وعجزه، وهو مخاطبة الفعال نحو { كونوا قردة خاسئين }. وروي أن الله عز وجل مسخ المعتدين قردة فى الليل فأصبح الناجون إلى مساجدهم ومجتمعاتهم، فلم يروا منهم أحدا فقالوا إن لهم لشأنا، ففتحوا عليهم الأبواب لما كانت مغلقة بالليل، فوجدوهم قردة يعرفون الرجل والمرأة، ويروى أنهم قردة يتواثب بعضهم على بعض، ولم ينج منهم أحد حتى صغارهم ومجانينهم ، وذلك عقوبة عمتهم فى الدنيا، وتبعث الصبيان والمجانين على غير سوء من ذلك، ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت أن الممسوخ لا ينسل ولا يأكل ولا يشرب ولا يعيش أكثر من ثلاثة أيام. قال القرطبى اختلف العلماء فى الممسوخ على قولين أحدهما أنه ينسل وبه قال الزجاج وجماعة. واختاره القاضى أبو بكر بن العربى لقوله صلى الله عليه وسلم
" فقدت أمة من بنى إسرائيل لا يدرى ما فعلت، ولا أراها إلا الفار ولا ترونها إذا وضع لها ألبان الإبل لم تشرب، وإذا وضع لها ألبان الشاة شربت "
أخرجه مسلم فى صحيحه، والقول الثانى أن الممسوخ لا يأكل ولا يشرب ولا ينسل ولا يعيش أكثر من ثلاثة أيام، وفيه حديث عن النبى صلى الله عليه وسلم، واختاره ابن عباس وابن عطية، ويمكن الجمع بأن ذلك ظن لا مدخل له فى التبليغ، وأوحى إليه بعد ذلك أن الممسوخ لا ينسل، كما روى أنه لما نزل على مياه بدر أمرهم بإطراح تذكير النخل، وقد قال صلى الله عليه وسلم
" إذا أخبرتكم عن الله فهو كما أخبرتكم، وإذا أخبرتكم برأى فى أمور الدنيا فإنما أنا بشر مثلكم "
وقال مجاهد ما مسخت صورهم لكن مسخت قلوبهم فمثلوا بالقرد كما مثلوا بالحمار فى قوله تعالى
كمثل الحمار يحمل أسفارا
أى كونوا قردة، رواه الطبرى وقال إنه مخالف لظاهر القرآن والأحاديث والآثار وإجماع المفسرين. { خآسئين } وقرئ خاسين بإبدال الهمزة ياء، وحذف الياء المبدلة عنها، والمعنى رد بين بعيدين عن الخير إذ طردوا عنه أو ذليلين، وقيل الخاسئ الذى لا يتكلم، وعن الحسن صاغرين وهو خبر ثان للكون، لأن الصحيح جواز تعدد الخبر بلا تبعية، وبه قال ابن مالك، ومن منع قدر كونا آخر أى كونوا خاسئين كما يقدر المبتدأ حيث كان الظاهر تعدد الخبر، أو أول الاسمين بواحد كما يؤول حلو حامض بمر، والتقدير كونوا جامعين بين صورة القرد والخسى.
[2.66]
{ فجعلناها } أى المسخة المدلول عليها بكونوا قردة إلى العقوبة أو الأمة التى مسخت أو القردة أو القرية، لأن معنى الكلام يقتضيها أو أو الكينونة المدلول عليها بكونوا. { نكالا } زجرا وتخويفا بالعقاب، كما يقال نكل الخصم عن اليمين إذا أهابه وتركه، أو عبرة تنكل المعتبر أى تمنعه من ارتكاب ما نهى عنه، ومنه سمى القيد نكالا. { لما بين يديها } لما قبلها من الأمم السابقة لهؤلاء الممسوخين، لأنه سبحانه وتعالى أنزل فى كتب من قبلهم أنهم سيسمخ قوم من بنى إسرائيل بسبب اعتدائهم بصيد حرم عليهم، فيتعظ من علم بذلك قبلهم. { وما خلفها } ما بعدها من الأمم، لأن قصتهم مشهورة فيتعظ بها من تبلغه، وقال السدى ما بين يديها ما بين يدى المسخة وما قبلها من ذنوبهم، وما خلفها ما بذنب من الذنوب بعدهم مثل ذنبهم، وقيل لما بين يديها من الأمم التى فى زمانها وما خلفها ما يجئ من الأمم بعد، وقيل ما بين يديها من حضرها من الناجين، وما خلفها من يجئ بعدها، وقال ابن عباس ما بين يديها من القرى الحاضرة فى زمانها، وما خلفها ما يحدث من القرى بعدها، وقيل ما بين يديها ما قرب من القرى، وما خلفها ما بعد عنها من القرى، وما بين يديها أهل تلك القرية، وما خلفها ما حواليها أو مابين يديها من فى زمانهم وما خلفهم من يجئ بعدهم، وفى بعض ذلك وقوع ما موضع من تحقيرا لمن يذنب من حيث الذنب قبيح، ولو كان يتوب، أو تحقيرا لهؤلاء الممسوخين أن يذكر اسم العاقل فى قصتهم، وبين فى بعض تلك الأوجه للزمان، وفى بعض للمكان، وإن قلت كيف صح تفسير ما بين يديها بما سبقها مع قوله { فجعلناها } بالفاء؟ قلت هى للترتيب الذكرى أو بمعنى الواو. { وموعظة } زجرا. { للمتقين } الذين نجوا من أهل القرية، وقالت فرقة امة محمد صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن يكون على العموم بمعنى كل متق من كل أمة، وخص المتقين لأنهم المنتفعون بها والله أعلم.
صفحه نامشخص