والثانى الفضيحة فإنه لما أصاب الذنب بدت سوءته. وتهافت ما كان عليه من لباس الجنة، فتحير آدم وتشوش. وناداه ربه أفرارا ومنى؟ فقال لا يا رب لكن حياء منك. ولذلك قيل كفى بالمقصر حياء يوم القيامة. ويروى أن آدم لما بدت سوءته وظهرت عورته، طاف بأشجار الجنة يسأل منها ورقة يغطى بها عورته، فزجرته أشجار الجنة، حتى رحمته شجرة التين فأعطته ورقة. والظاهر أنه يسأل أوراقا فأعطته شجرة التين أوراقا، لقوله تعالى
يخصفان عليهما من ورق الجنة
ولعل الورقة الواحدة تكفى آدم والآخرى تكفى حواء، يخرقهما كل منهما ويصنع منها لباسا أو تكفيهما واحدة كذلك فكافأ الله التين بأن ساوى ظاهره وباطنه فى الحلاوة والمنفعة، وأعطاه ثمرتين فى عام واحد. قال الشيخ هود - رحمه الله - فلما أكلا منها بدت لهما سوءاتهما وكانا كسيا الظفر، فبدت سوءاتهما، وأبصر كل واحد منهما ما كان وورى عنه من سوءته فاستحيى، فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، يرفعانه كهيئة الثوب ليواريا سوءاتهما، ثم ناداهما ربهما
ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين
أى بين العداوة، فاعتل آدم بحواء وقال هى أطعمتنى فأكلته. ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
" لولا بنو إسرائيل ما خثر لحم ولا انتن طعام ولولا حواء لم تخن انثى زوجها "
ذكر بعض أن حواء هى التى كانت دلت الشيطان على ما كان نهى عنه آدم فى الجنة. ذكر الحسن عن النبى صلى الله عليه وسلم أن آدم كان رجلا طويلا كأنه نخلة جعد الشعر، فلما وقع بما وقع بدلت له عورته وكان لا يراها قبل ذلك.
فانطلق هاربا، فأخذت شجرة من الجنة برأسه، فقال لها أرسلينى، فقالت لست بمرسلتك، فناداه ربه يا آدم أمنى تفر؟ فقال ربى أستحييك الثالث أنه أوهنه جلده وصيره مظلما بعد ما كان كالظفر، وأبقى من ذلك قدرا يسيرا على أنامله، ليتذكر بذلك أول حاله. والرابع أنه أخرجه من جواره ونودى أنه لا ينبغى أن يجاورنى من عصانى. كما قال الله تعالى { وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو } يعنى آدم وحواء وإبليس والحية والطاووس. فهبط آدم بسرنديب من أرض الهند، وقيل على جبل من الدهناء يسمى نود، وقيل واسم، وحواء بجدة من أرض الحجاز، وإبليس بأيلة من أرض العراق وهى البصرة، وقيل بيسان، والحية بأصبهان، والطاووس بأرض بابل. ويقال الحكمة فى إخراج الله آدم من الجنة أنه كان فى صلبه من لا يستحق حضرة القدس، فإذا أخرجهم من صلبه أعاده إليها خالدا فيها. ويقال إن الله تعالى أخرج آدم من الجنة، قبل أن يجعله فيها فذلك قوله تعالى
إنى جاعل فى الأرض خليفة
ولم يقل فى الجنة، وهذا خطأ لأن المتبادر من الإخراج والهبوط أنهما قد دخلاها إلا إن أراد هذا الزاعم بقوله قبل أن يجعله، قبل أن يمكنه فيها، أو أراد بقوله أن يجعله فيها، الكناية عن سرعة الخروج، وإلا فقد دخلها قطعا، بدليل أنه أشير له إلى الشجرة، وبدليل أنه أكل منها. وعن عثمان ابن منبه سمعت واصل بن عطاء يذكر أن آدم قال كنا نسلا من نسل الجنة فأزلنا إبليس بالخطيئة منها إلى الأرض، فليس ينبغى لنا الفرح فى الدنيا، ولكن الحزن والبكاء ما دمنا فى دار الدنيا، حتى نرد إلى الدار التى منها سبانا، قال الشاعر
صفحه نامشخص