قال الشاب: «آه نعم، دعنا نلق نظرة، بل الأفضل من ذلك، دعنا نكن هناك بأنفسنا.»
كانت قائدة الطائرة امرأة شابة ترتدي خوذة طيران ليلي كانت تمكنها من رؤية الأشعة تحت الحمراء وتحمل أسفلها، كما قال الشاب، صاروخا حراريا موضوعا في مقلاع. نظر جونزاليس والشاب عبر عيني قائدة الطائرة إلى مشهد المعركة وتبادر إلى عقليهما ما كانت تفكر فيه وشعرا بدفقة الأدرينالين التي تشعر بها.
في نظارتها، كانت صورة الطائرة واضحة؛ جسم أبيض تحفه خطوط حمراء، وتركت لمنظومة التتبع الخاصة بها مهمة اللحاق بالطائرة، بحيث قللت المسافة الفاصلة بينهما وهي تناور وتتفادى الصواريخ التي يطلقها زملاؤها.
شعرت بالإثارة تملكها، لكنها كانت هادئة كذلك؛ لقد خاضت معارك أخرى من قبل، وكانت الأمور تسير وفق ملخص المعلومات الذي تلقوه. ورغم أن هذه الطائرة يمكنها أن تسبقهم في الطيران بسهولة، وأن تتسارع إلى الأعلى أو بعيدا، في سماء الليل، فقد كان عليها أولا أن تهرب من صواريخهم، وكانت بضع ثوان من التحليق المستقيم هي كل ما يحتاجونه. كانت ستنتظر حتى تقترب أكثر، وتنتظر إلى أن تصير الطائرة على مقربة شديدة بحيث لا يمكن أن تخطئها، أو تنتظر إلى أن يفشل الآخرون.
بعد ذلك بدأ كل من حولها يموتون، في انفجارات سببت ظهور زهور بيضاء في نظارات الرؤية الليلية المحملة بأكثر من طاقتها ...
كانت طائرة أعدائها موجودة أمامها، ربما كانت قريبة بما يكفي وربما لا، لكنها علمت أنه لا يوجد وقت كاف، وأن ثمة لاعبا جديدا في اللعبة، وأنه كان يقتلهم جميعا. وهكذا استعدت، ومدت أصابعها إلى زر الإطلاق، وحينها شاهدت جسما يقترب نحوها، كان قريبا بالفعل أكثر مما ينبغي ويزداد حجما بسرعة مستحيلة، وسببت حرارته ظهور زهرة بيضاء أخرى في نظارتها، ثم انفجر فيها وشعرت بأقل لحظة يمكن تخيلها من الألم الذي لا يطاق ...
داخل الطائرة، مات جونزاليس والشاب معها، ثم بدأ جونزاليس في النحيب، وجسده منحن، بينما تصارع موت هذه المرأة وحياته هو في داخله ... الأسى والرعب والامتنان والفرحة والانتصار والفقدان، كلها مختلطة وتموج في نفسه. أيضا كان بمقدوره أن يسمع الشاب المجاور له وهو يبكي. سطع ضوء طائرة القوات الجوية البورمية من طراز «لوب جارو» داخل طائرتهم، وغمرهما هما الاثنان وكذلك الطيار المصدوم، الذي نظر إليهما في ذهول.
توقف الزمن حولهم. فتجمد وجه الطيار المتوتر، وكل الأجهزة الموجودة في لوحة الطيار توقفت كما هي، وخارج النافذة توقف النهر المظلم أسفلهم عن الجريان. جلس جونزاليس والشاب في خلية حياة وسط الجمود.
قال الشاب: «لا تقلق. هذا يمنحنا مكانا للحديث من دون ازعاج. ما رأيك فيما حدث للتو ؟» «أتعني الهجوم؟» أومأ الشاب، وأطلق الضوء المنبعث من وجهه موجات وامضة باللونين الأحمر والأزرق. قال جونزاليس: «لقد رتب جروسباك الأمر. إنه يريد قتلي.» «لا أظن هذا، ومع ذلك، لو افترضنا أن ما تقوله حقيقي، فهل هذا يهم؟» «نعم، بالطبع.» «لماذا؟» «لأن ...» ثم توقف جونزاليس، محاولا التفكير في كل الأوجه التي تجعل هذا الأمر مهما: إنه مهم بالنسبة إلى سينتراكس، وتراينور ...
قال الشاب: «لكنه ليس مهما بالنسبة إليك. لقد ماتت المرأة الشابة، ومات رفاقها المقاتلون معها: هذا أمر مهم. لقد عشت أنت والطيار: هذا أيضا أمر مهم. السياسة البورمية، مؤامرات المؤسسات المتعددة الجنسيات، إنها أوهام، حيل، لا شيء مهم. الحياة والموت وآثارهما في القلب البشري، هذه تحمل أهمية لك. إن موت هذه المرأة يعيش داخلك، وحياتك تظهر معناه؛ فلتنس أمر جروسباك وتراينور وسينتراكس، انس أمر الخوف والطموح والجشع.» نظر الشاب في وجهه عن كثب وقال: «أنا أنسج الكلمات حول قلبك كي ترشده، لا أكثر.» •••
صفحه نامشخص