حلاج
الحسين بن منصور الحلاج: شهيد التصوف الإسلامي (٢٤٤–٣٠٩ﻫ)
ژانرها
وأسرفت بغداد على نفسها في السفح الفلسفي، وفي الابتداع المذهبي، وفي الجدل العقلي، حتى أصبحت أنديتها أروقة للسفسطة والحوار، وغدت مساجدها ساحات للعراك والقتال بين الحنابلة والأشاعرة والمعتزلة، والصوفية والمنجمين والسحرة والفلاسفة، فتمزقت وحدتها الفكرية، وانحلت أخوتها القلبية، وتبددت ثروتها الأخلاقية!
وأسرفت بغداد على نفسها في السياسة، فنجمت الأحزاب والشيع والفرق، مقنعة وسافرة، عربية وأعجمية، مؤمنة وملحدة، ثائرة ورجعية!
أحزاب للعسكرية التركية المغامرة تثير الفتن والقلاقل، وأحزاب للفرس والشيعة تتربص بالخلافة الدوائر، وأحزاب للرجعية الدينية تثير الشغب والقتال في الطرقات والمساجد، وأحزاب للرأسمالية الاحتكارية تمتص الحياة والدماء، وأحزاب للقصر تهيمن عليها الجواري والإماء.
وفي القمة من هذا المجتمع العجيب، الخليفة المقتدر، صبي ملتاث عربيد، يقول عنه المؤرخ الكبير الطبري وهو معاصر له: «وأما المقتدر فرقيق ركيك، لاه بما هو فيه من اللعب والسرف والتبذير، أحب جارية رومية حسناء، أسلمها الدولة وأهدى لها فصا من الياقوت بثلاثمائة ألف دينار.»
ويقول المؤرخ ابن الأثير: «كان المقتدر الطفل الخليفة، لا هم له إلا أن يلهو في قصره بين عشرة آلاف خصي من الصقالبة والجواري والغلمان.
ومن فوق هذا الخليفة الطفل، والدته السيدة شغب التي أحالت الملك العريض إلى ألعوبة في يدها، وبلغ من نفوذها واستهتارها، أن أمرت قهرمانتها أم موسى أن تجلس في مجلس القضاء للمظالم، ومن نفوذ هذه القهرمانة، أنها كانت تصدر أوامر المصادرات وإحصاء الأموال والتركات.»
ويقول الدميري في كتاب الحيوان: «وانطلقت الألسن في المقتدر وأمه ووزرائه وعماله وقضاته، وكثر السبي والقتل، ودخل المنجمون والمتخرصون على الرؤساء والنساء، وقعد الدجالون للناس في الطرقات.»
ويقول العلامة السيوطي في كتابه «تاريخ الخلفاء»:
1 «إن محمد بن جرير الطبري لما علم بخلع المقتدر، ومبايعة ابن المعتز، قال: ما الخبر؟ قيل: بويع ابن المعتز، قال: فمن رشح للوزارة؟ قيل: محمد بن داود، قال: فمن ذكر للقضاء؟ قيل: أبو المثني، فأطرق ثم قال: هذا الأمر لا يتم! فقيل له: وكيف؟ قال: كل واحد ممن سميتم متقدم في معناه، عالي الرتبة، والزمان مدبر، والدنيا مولية، وما أرى هذا إلا إلى اضمحلال، وما أرى لمدته طولا.»
ومن قلب هذه الحياة المتداعية، وعلى القمم العالية، من هذه التيارات المتصارعة، تجلت شخصية الحلاج، بما أفيض عليها من جاذبية ومغناطيسية، وبما تملك من قوى خارقة أسطورية، وبما ترقرق حولها من بريق الروح وسناء الإيمان، وبما تمثله من بطولة فدائية لا تلين ولا تهادن، وبما تقدم للناس من منهج متكامل، للدين والدنيا.
صفحه نامشخص