حلاج
الحسين بن منصور الحلاج: شهيد التصوف الإسلامي (٢٤٤–٣٠٩ﻫ)
ژانرها
منذ أكثر من ألف عام، تركز سمع الدنيا وبصرها، على الخاتمة الفاجعة، لأعجب صراع شهده تاريخ الفكر، وتاريخ الحياة الروحية في الإسلام.
وتساءل الناس عن النبأ العظيم، وهم في غمرة ذاهلة من هول ما يترامى إليهم من همسات وأحداث، لقد غامرت الخلافة العباسية وقامرت بوجودها ومكانتها فألقت من أعلى مآذن بغداد برماد جثة رجل ... عذب، وصلب، وحرق، في مشاهد مسرحية وحشية، لا تمت إلى الإنسانية، أو الآدمية، بسبب أو نسب.
وحملت أجنحة الهواء ذرات الرماد الشهيد إلى الآفاق، ومن ثم بدأ تاريخ عجيب رائع، ونبتت حياة سامقة شامخة، فقد تحولت كل ذرة من ذرات هذا الرماد، إلى مئذنة ومنبر، يتلى عليهما في مسمع الدنيا ووجدانها وضميرها قصة هذا الشهيد، وحياة هذا المصلوب!
ويا لها من قصة! ويا لها من حياة، أراق عليها الخلود فتنته وبريقه، وأكسبها الاستشهاد سحره ونوره، وأضفى عليها الحب الإلهي جلاله وعطره، ومنحها مقام الفناء، بقاء يعجز كل فناء!
ومنذ أكثر من ألف عام، وقصة هذا الشهيد، تعيش متلألئة مشرقة متجددة في قلوب الناس وعواطفهم، وتحيا مقنعة مبهمة ملهمة، في عقول المفكرين وأقلامهم! أشبه ما تكون باللحن الذي اهتزت أنغامه وتشابكت أوتاره، ولكنه مع هذا، نغم فاتن شجي، غني ثري بالإلهام والخيال والأحلام.
وتحولت القضية والمأساة إلى أسطورة مجنحة، ترتاد الآفاق المتناقضة، وتمشي مع الخيال الأسطوري إلى القمم العالية السامقة، المجللة بالضباب والسحاب، فتزداد إبهاما وغموضا، كما تزداد سحرا وبريقا.
يقول المؤرخ الفرنسي مويزو: «إن التاريخ هو ذاكرة البشرية، ولكنها ذاكرة قد تضعف حينا، وقد تصطنع الضعف أحيانا.»
ولقد كانت تلك الذاكرة، أضعف ما تكون، أو فرض عليها أن تكون أضعف ما تكون، وهي تقدم للناس عبر القرون، تاريخ الحلاج، ورسالة الحلاج.
لقد زيفت ذاكرة التاريخ عن عمد خبيث، وعن تدبير هادف، واصطنعت صورا خادعة مضللة زائفة، لأعظم حقبة في تاريخ المعرفة الصوفية، ولأخطر رجل في تاريخ الحياة الروحية.
ولقد عرفت جميع اللغات، حياة الحلاج ومأساته، وامتلأت حقائب التاريخ العالمي، بألوان من الأساطير، حول فلسفته الروحية، وتعددت في التراث الإنساني، صور حبه ومجاهداته القلبية، وسبحاته الوجدية، ولكنها صور وشاها الخيال، واعتنى فيها المصورون بالتلوين والظلال، عناية طمست الحقائق، وغيرت وجهها، وشوهت لونها، وانحرفت بها، عن جوهرها ورسالتها.
صفحه نامشخص