هكذا تكلم زرادشت: كتاب للكل ولا لأحد
هكذا تكلم زرادشت: كتاب للكل ولا لأحد
ژانرها
وسوف يرى القارئ في الفصول الأخيرة ما هو تقدير زرادشت للرجال الراقين في هذه الحقبة الشاملة لعصره ولعصرنا، فهو يعتبرهم نماذج فاشلة للإنسان الذي يتوقع نشوءه، غير أن زرادشت وهو يتكلم بلهجة الآمر الناهي ويرسم للحياة طرقها بخطوط متفرقة إن لم تجمعها أنت بقيت حروفا منتثرة لا معنى لها؛ لا يقول لنا بصراحة ما يجب أن نفعله لنصبح جدودا لأحفاد تصلح بهم الحياة، ولكن من يعود بصيرته على مجاراة نيتشه في الرؤى التي يهيم فيها يستوقفه قوله:
إن ما فطرنا عليه هو أن نخلق كائنا يتفوق علينا، تلك هي غريزة الحركة والعمل.
ثم يستوقفه في موضع آخر قوله:
إنني لم أجد امرأة تصلح أما لأبنائي إلا المرأة التي أحبها.
فإذا ما وقف المفكر عند هذا يعرف ما هي تلك الفطرة التي يراها دافعة للإنسان إلى التفوق على ذاته وأنساله.
وما تكون تلك الفطرة إن لم تكن حافز الحب الصحيح، وفي أعماقه غريزة الانتخاب تجتذب الزوجين إلى اتصال يشدد أحدهما فيه ما وهن في بنية الآخر.
ولولا أننا درسنا مليا مسألة اعتلاء الأمم وانحطاطها نبحث صحة النسل واعتلاله في فصل «منابت الأطفال»، من كتابنا «رسالة المنبر إلى الشرق العربي» لكنا نثبت هنا أن إيجاد الإنسان الكامل في إنسانيته، لا الإنسان المتفوق على نوعه كما يريد نيتشه، إنما يقوم على مجاراة حوافز الاختيار الطبيعي في الزواج باعتبار كل شهوة جامحة وكل طمع يسكت هاتف الاختيار سواء في الرجل أو المرأة جناية على الإنسانية.
هذا، وإننا لا نجد بدا من نقل بعض فقرات من فصل منابت الأطفال تأييدا لهذه الحقيقة:
إن الإنسان لا يريد الانقياد للانتخاب الطبيعي فهو يطمح إلى تحكيم اختياره في حوافز لا يعلم منشأها، فيعمد الرجل إلى استيلاد المرأة أطفالا تتجلى فيهم كوامن علله وعلل المرأة التي يرغمها إرغاما بدلا من أن ينقاد إلى الانتخاب الطبيعي الذي تتذرع به الطبيعة للغلبة على العاهات والأمراض وللقضاء على حوافز الخبل والإجرام. •••
إن الولد المختل العليل إنما هو الضحية البريئة تصفع الطبيعة به أوجه الرجال الفاحشين والنساء الطامعات المضللات. •••
صفحه نامشخص