هكذا تكلم زرادشت: كتاب للكل ولا لأحد
هكذا تكلم زرادشت: كتاب للكل ولا لأحد
ژانرها
هذا ما كانت تقهقه به في سخريتها تلك الحياة، غير أنني لا أثق بها، ولا أصدق ضحكها عندما تهجو نفسها.
وناجيت يوما حكمتي النفورة فقالت لي غاضبة: إنك تطلب الحياة وتشتاقها وتحبها، وذلك ما يحفز بك إلى بذل الثناء عليها.
ولولا أنني تمالكت نفسي لكنت رددت بعنف على حكمتي، وأعلنت الحقيقة لها وهي تغاضبني، وهل من جواب أشد وقعا على الحكمة من أن تهتك سرائرها.
ما أحب شيئا من صميم الفؤاد إلا الحياة، ولا يبلغ حبي لها أشده إلا حين أكرهها، وإذا ما أنا اندفعت إلى الحكمة، وأغرقت في الالتجاء إليها فما ذلك إلا لأنها تبالغ بتذكيري بالحياة، فإن للحكمة عيني الحياة ولها ابتسامتها، بل لها أيضا شابكها المذهب، فما حيلتي بهما إذا تشابهنا إلى هذا الحد؟
وعندما سألتني الحياة عن الحكمة أجبتها: هي الحكمة يشتهيها الإنسان بكل قوته ولا يشبع منها، فهو يحدق فيها ليتبين وجهها من وراء القناع ويمد أصابعه بين فرجات شباكها متسائلا عن جمالها وما يدريه ما هو هذا الجمال، ومع هذا فإن أقدم الأسماك لا تنفك عن الانجذاب إلى طعمة شباكها فهي متقلبة شديدة المراس، ولكم رأيتها تعض على شفتها وتسرح شعرها، ولعلها شريرة ومخادعة، بل لعل لها صفات المرأة بأجمعها فهي لا تبلغ أبعد مداها في اجتذاب القلوب إلا عندما تهجو ذاتها ...
وبعد أن قلت هذا عن الحكمة للحياة، مرت على شفتيها ابتسامة شريرة، وغيضت من جفنيها قائلة: عمن تتكلم ... لعلك تتكلم عني أنا ... وهل للإنسان أن يعلن مثل هذه الأمور بوجه من تعنيه حتى ولو كان محقا، فما قولك الآن في حكمتك يا هذا ...؟
وفتحت الحياة المحبوبة عينيها فحسبتني عدت إلى التدهور في الهاوية البعيدة القرار.
هذا ما تغنى به زارا وما انتهى الرقص وتوارت الصبايا عن أبصاره حتى تملكه حزن عميق فقال: لقد اختفت الشمس وترطب المرج وقد بدأ الغاب يرسل لفحاته الياردات. إن شيئا مجهولا يدور حولي ويحدجني قائلا: ألم تزل على قيد الحياة يا زارا؟ ولماذا أنت حي بعد؟ وما هي فائدة هذه الحياة؟ ما هو مصدرك وإلى أين مصيرك أفليس من الجنون أن تبقى في الحياة؟
ويلاه أيها الصحاب، إن ما يتناجى في إنما هو الغسق فاغتفروا لي شجوني لقد جاء المساء فاغتفروا لي قدوم المساء ...
هكذا تكلم زارا ...
صفحه نامشخص