قالت: «إن الأمير الذي يبغي خطبتها أحسن أمراء بني أمية علما وأدبا وشعرا وفصاحة وعارضة ، وله ولع خاص بعلم الكيمياء، وهو ابن خليفة وحفيد خليفة.»
فقطعت عزة كلامها قائلة: «قد عرفته، إنه خالد بن يزيد. أليس هو؟»
قالت: «هو بعينه، فما قولك؟»
فأطرقت عزة هنيهة ثم قالت: «قد أدركت سر الأمر، وعلمت السبب الذي سوغ لخالد خطبة رملة وهي من أعداء بني أمية وإن كان هو أمويا.»
قالت: «أما وقد فهمت سر الأمر فاكتميه عن كل أحد. وهذه هدية من خالد بعث بها إليك.» قالت ذلك ومدت يدها إلى كمها وأخرجت عقدا من اللؤلؤ دفعته إليها. فتناولته عزة وأثنت على فضلها وقالت: «هل عزمت على خطبة رملة لخالد، ومن يخطبها له؟»
قالت: «ليس لي أن أصرح بأكثر مما قلت.»
فقالت عزة: «ما السر عندي إلا في بئر عميقة، فطيبي نفسا وقري عينا.»
ثم تحفزت ليلى للقيام فأمسكتها عزة ودعتها إلى البقاء عندها. فاعتذرت بأن هناك من ينتظرها في الخارج، ولا بد لها من موافاته لأمر لا يحسن تأجيله. ثم خرجت، فمرت على طويس في البستان فودعته قبل انصرافها. •••
كانت ليلى الأخيلية شاعرة بارعة كما تقدم، وكانت تفد على الملوك والأمراء تمدحهم وتنال منهم الرعاية والجوائز. وكانت قد وفدت على عبد الملك بن مروان في ذلك العام فامتدحته، ثم سارت إلى خالد فعهد إليها في البحث عن رملة واستيصافها من عزة. وبعث معها شابا من خاصته اسمه حسن كان في جملة من جاء الشام مع عبد الملك بن مروان عند عودته من العراق بعد مقتل مصعب بن الزبير وإخراج العراق من سلطة أخيه.
وكان حسن من رجال مصعب الداعين إلى بيعة أخيه في العراق وحارب معه في قتاله المختار بن عبيد الثقفي فأبلى بلاء حسنا حتى قتل المختار وخلص العراق لمصعب. فلما جاء عبد الملك لحرب مصعب دافع حسن عنه جهده حتى قتل ووقع هو في أسر عبد الملك ورافقه إلى الشام. فلقي هناك خالدا فأحبه هذا وجعله من بطانته. وكان يثق به ويبوح له بما في نفسه على عبد الملك؛ لأنه تولى الخلافة دونه وهو أحق بها؛ لأنه ابن الخليفة يزيد بن معاوية، وبين أمه وأم عبد الملك حكاية سيأتي ذكرها.
صفحه نامشخص