ونظر الحجاج إلى حسن، فلما عرفه تحقق صحة ما اتهمه عرفجة به، وعظم عليه أن يراه خارجا من خباء نسائه. فهم بأن يقتله ولكنه تذكر التهمة التي وجهها إلى عرفجة فرأى أن يصبر عليه إلى الغد حتى يثبت التهمة على عرفجة، ثم يقتلهما معا شر قتلة.
وكان الحجاج مع عتوه وظلمه ذا دهاء وحكمة، فكظم غيظه ريثما يتحقق الأمر فقال: «خذوه إلى السجن وموعدنا الغد.»
فسر حسن لذلك التأجيل، ومضى مع الحراس وهو يلتفت إلى الوراء ليتحقق ابتعاد الحجاج عن خيمة سمية غيرة عليها منه وإن كان زوجها.
الفصل السابع عشر
محاكمة حسن وعرفجة
قضى حسن ليلته في السجن وعليه الحراس. وفي الصباح ساقوه إلى فسطاط الأمير باكرا وقد أمر الحجاج ألا يحضر المجلس أحد غير عرفجة وحسن. فدخل حسن ووقف وسط الفسطاط، وظل عرفجة جالسا بجانب الحجاج كأنه من خاصته وكان الحجاج إذا نظر إلى حسن كاد يتميز غيظا ولكنه صبر نفسه حتى يثبت التهمة على عرفجة فقال له: «لقد كنت في السجن من قبل، فكيف خرجت منه؟»
قال حسن: «خرجت منه لأمر اقتضى هذا الخروج، ثم عدت إليه طائعا ولو أنني أردت الفرار ما رجعت.»
فقطع عرفجة كلامه وقال ساخرا: «ذهبت لأمر ضروري؟ أما ذهبت إلى عدونا وكنت في منزله طول ليل أمس، وإذا كنت قد رجعت فذلك لكي تذهب إلى الخباء، لا إلى الحبس.»
فالتفت الحجاج إلى عرفجة لفتة ظهر الغضب فيها وأدرك عرفجة منها تغير الحجاج عليه، فأراد تخفيف غضبه فقال: «لا أجهل أني جاوزت الحد بتكلمي في حضرة الأمير، ولكنني لم أستطع الصبر على نفاق هذا الغلام وخداعه، فهو يوهمنا أنه ليس من الأعداء ولا من الجواسيس، ثم يفر من السجن ليلا ويحمل أخبارنا إلى عدونا، ويرجع بعد ذلك لكي يوهمنا أنه رجع إلى السجن بينما الأمير قد رأى بنفسه لأي شيء رجع.»
فأدرك الحجاج أن عرفجة يعرض بوجود حسن في الخباء ليثير غضبه عليه فيأمر بقتله توا قبل استكمال التحقيق، فصبر والتفت إلى حسن وقال: «لا يهمنا السبب الذي خرجت لأجله إلى ابن الزبير، فإنك متهم عندنا في أي حال. وسنبحث أمر دخولك خباء نسائنا فيما بعد. أما الآن فإنك اتهمت صديقنا عرفجة بالأمس، ونريد أن نعلم ما حملك على هذا الاتهام، وأي دليل على صحته لديك؟»
صفحه نامشخص