ثم قام الديك، وجعل يصيح ويقول: أين المساواة والعدل والإخاء؟ لقد نقضنا كل ذلك، ولم يبق بيننا غير سنة الفن وشريعة البطن، وصار كل حيوان طعمة لمن يفضله قوة، ولو دام هذا الحال خربت الأرض؛ فإن الأمة من الأمم إذا كثر اعتداء بعض أفرادها على بعض فسدت حالها، وركدت ريحها. فكيف تنكرون اعتداء القرد على الفرد، وتعدونه نذير الخراب؟ ثم تحسبون أن تقاتل عناصر الحيوانات وأجناسها ذريعة إلى الحضارة، ومظهر من مظاهر سنة النشوء والرقي، وتقولون: القوة أساس الحياة. ولكن أين القوي؟ إذا كان كل قوي فوقه قوي يلتهمه. من أجل ذلك أرى أن نحرم سطو الحيوان على الحيوان، كي يستقيم السلم، وتنتفي أسباب الحروب.
فقام الثعلب وقال: الله يعلم أني أبغض العداء والاعتداء، ولكن أنظمة المعيشة فاسدة، ولا مناص من السطو ما بقيت هكذا. فإن تملك المرء للشيء من الأشياء يحدث حاجة وعوزا كما قال حيوان جليل من البشر، أعني «البحتري»:
كان يحيي ميتا من ظمأ
فضل ما أوبق ميتا من غرق
فالتملك سرقة شريفة مشروعة. ومن أجل هذا التملك كان الحيوان في حاجة إلى التحيل للكسب، والرزق، واستخدام الدهاء، وشحذ الحيلة له. ولولا الدهاء والحيلة ما استقامت الحياة. والدهاء أجل مظاهر العقل؛ لأنه أكبرها نفعا، ولكن الحاجة تدعو إلى السطو واللؤم والشر والإسفاف. ومن أجل ذلك أرى أن نحرم التملك، وأن يكون كل شيء ملكا مشاعا بين الناس.
ثم التفت إلى الديك وقال: لا ترع يا خليلي من عداوة الأقوياء؛ فإني حاميك وناصرك، وقد هديتني ببلاغتك، وصياحك إلى الحق، وبغضت إلي الباطل، وندمت على ما أتيت من الشر، ولن ترى مني إلا ما يسرك - إن شاء الله تعالى.
ثم قام القط، وقال: لقد صدق الثعلب؛ فإنه لا يأكل لحوم الدجاج؛ لأنه يبغض الدجاج فهو يحب الدجاج حبا جما، ويحب - من أجل الدجاج - الدال والجيم، وأنا لا آكل لحوم الجرذان من عداوة، ولا يلتهم الأسد فريسته غلظة وقسوة، وإنما هي الحاجة والحياة (تثاءب الأسد تثاؤبا طويلا).
ثم قام الأرنب وقال: لقد أثبتت الأطبة أن أكل اللحوم رأس كل شر، وأن الحيوان إذا أبطل أكل اللحوم كانت حياته خيرا كلها، فإن الهضم يحول اللحم إلى دوافع الشر كما ورد في كتب الطب الحديث، فإن أكل اللحوم يبث في الإنسان خصال الشر من قسوة، وغلظة، وشره، ودناءة، وشهوة خسيسة، فخليق بنا أن نحرم أكل اللحوم، وأن نقنع بالحشائش (وعند ذلك بدأ الأسد يزمجر، وينظر إلى الأرنب نظرة القاتل).
ثم قام الحمار وقال: قد نسي أعضاء المجلس النظر في أمر ذي بال، وأعني: العمل والأجر؛ فإن بعضنا على عظم نفعه يبيت في إسطبل كأنه - من أقذاره - معبد إله القذارة في خرافات الوثنيين، ثم لا ينال من البرسيم ما يسد سغبه، فيمشي في الأسواق ينظر إلى أفواه غيره من الحيوانات التي من الله عليها بما لا حاجة لها به، من البرسيم أو الشعير مثل نظرة فلانة التي يقول فيها الحيوان الجليل «النابغة»:
نظرت إليك بحاجة لم تقضها
صفحه نامشخص