وشتان بين الحب الناطق الذي يكرمه أن يطلب ويعبر، وبين الحب الصامت الذي يكرمه أن يصمت وينتظر؛ فهما ولا ريب جنسان متباينان كما يتباين الجنسان المحبان.
كذلك لا يتشابه الحبان، هذا خلق في طبيعة تنقاد للمؤثرات ولا تبالي ما وراءها ولا تزال في حاجة إليها وهي معشوقة وزوج وأم ذات بنين، وهذا خلق في طبيعة تملي تلك المؤثرات وتتسلط بها على الطبيعة المقابلة لها، وهي مدعوة إلى التسلط عليها.
فأحد الحبين ينبع من الإحساس، والآخر ينبع من العزيمة النافذة والعارضة القوية، وإن جاز أن يصطبغ كلاهما بغير صبغته كلما جاوز المنبع وجرى مطردا أو غير مطرد في مجراه.
ولا يتشابه كذلك حب يقترن بحب المجد والكفاح ونتاج الفكر والإلهام، وحب تفرغ له النفس أو تكاد، ولا تطلب المفاخر معه إلا من طريقه أو من جوار ذلك الطريق.
والحب يعد من جانب المرأة طلب حماية وتسليم، ومن جانب الرجل طلب هجوم وظفر، فلولا أنهما يدوران على محور واحد لقيل إنهما متناقضان.
والحب كما قيل عند المرأة شغل شاغل وصناعة دائمة، وعند الرجل رياضة فراغ وسكن من جهاد.
فهو يستولي على المرأة كلها ولا يستولي من الرجل إلا على الجانب الذي يتوق إلى الرياضة وابتغاء الراحة، ومن الرياضة رياضة القريحة ورياضة الروح.
فأيهما إذن أحرى أن يدوم؟
ظاهر الأمر أن الحب الذي يستولي على النفس كلها هو أحرى بالدوام، وحقيقة الأمر أن الحب الذي يبلغ هذا المبلغ هو أقرب الحبين إلى الخطر وأدناه إلى التبدل؛ لأن النفس الإنسانية لا تدوم طويلا على حالة الاستغراق أو الشبع والامتلاء، وقد يضمن الدوام للحب الذي يستريح من جانب إلى جانب ولا يكلف الطبع جهدا عظيما في موالاته بالمدد والتجديد، ولكنه لا ضمان للحب الذي يحتاج أبدا إلى مدد يكفل له كل استغراق وامتلاء، ولا يصبر على فراغ بعضه إلا نزع إلى حالة أخرى من حالات الاستغراق والامتلاء. •••
وتعريف الحب - ولو فيما نراه نحن - قد يعين على فصل هذين الحبين ولمس مواقع الالتباس بينهما، إذا وقع هذا الالتباس.
صفحه نامشخص