222

ويجب أن يفرق في زمر المسلمين الذين يبلغ عددهم في الهند نحو خمسين مليونا بين حفدة الأسر الإسلامية وحفدة الهندوس الذين اعتنقوا الإسلام.

فأما حفدة الأسر الإسلامية، وهم الأقلون، فيشابهون المثال التركي، ويتألف منهم قوم طائشون بائسون أسيفون على الزمن الذي كانوا فيه سادة البلاد منتظرون الزمن الذي يتم فيه النصر لشريعة النبي.

وأما الهندوس المسلمون فأكثر عددا، ويختلفون قليلا عن إخوانهم البراهمة مثالا وأخلاقا.

ونلخص ما تقدم بقولنا: إن أثر المسلمين العرقي في الهند ضعيف وأثرهم الأدبي عظيم، وأكثر ما يبدو هذا الأثر الأدبي في المباني والمصنوعات الفنية، وله عمل كبير في الدين واللغة، كما يظهر ذلك من الفصول التي ندرس فيها مباني الهند ودياناتها ولغاتها فضلا عن هذا الفصل. (2) الحضارة الإسلامية في الهند

أجملنا في فصلنا عن تاريخ الهند أهم حوادث الممالك الإسلامية في الهند، ولنذكر أن دولة المغول، التي تتكلم عنها الكتب على العموم، لم تدم سوى مائتي سنة من السنوات السبعمائة التي كان السلطان فيها للمسلمين، ففي بعض ذينك القرنين ظل كثير من الممالك الإسلامية قائما في الدكن، ولم تجمع الهند بأسرها تحت راية ملك مغولي واحد إلا قبيل سقوط الدولة المغولية.

ويتضمن وصفنا لتاريخ الحضارة الإسلامية في الهند بعثا لتاريخ حضارة العرب التي خصصنا سفرا كبيرا لدراستها، فمسلمو الهند لم يدخلوا إلى الهند، بالحقيقة، سوى حضارة العرب بعد أن تحولت بعض التحول في بلاد فارس بفعل الأزمنة والأمكنة والاختلاط بالشعوب المغلوبة، وذلك على درجات مختلفة ومع دوامها على التحول.

وأدخل المسلمون معهم إلى الهند نظم الدول العربية القديمة السياسية أيضا، وكانت هذه النظم السياسية تحمل في تضاعيفها المحاسن التي أدت إلى ازدهار الدول العربية فيما مضى والمساوئ التي أوجبت انحطاطها.

حقا، لقد بدت جميع الدول الإسلامية، في الهند وغيرها، مطلقة على الدوام جامعة لجميع السلطات الدينية والعسكرية والمدنية في أيدي ولاة لا رقيب لهم، فكانوا يسعون في إعلان استقلالهم وتأسيس ممالك لهم من فورهم، وحقا أن الممالك العظمى المطلقة التي تكون جميع السلطات فيها قبضة رجل واحد تلائم الشعوب المتبربرة لما يؤدي ذلك إلى الفتح، فهذه الممالك لا تدوم إلا إذا ساسها رجال عظام، والرجال العظام إذ ندر ظهورهم وقع ما تعلم من انهيار الدول الآسيوية الكبرى في وقت قصير، وذلك ما وقع لدولة المغول التي ازدهرت أيما ازدهار عندما كان على رأسها رجال كبار فسقطت عندما عطلت من مثلهم.

والمسلمون، حين أدخلوا إلى الهند حضارة العرب، أدخلوا معها رغبة كبيرة في العلوم والآداب والفنون، وما شادوه في عواصمهم: أحمد آباد وغور ودهلي وبيجابور، إلخ. من المباني ينطق بعظيم حمايتهم للفنون، وما انتهى إلينا من تراجم ملوك المسلمين يثبت لنا أن هؤلاء الملوك كانوا يشجعون الآداب والعلوم أيضا، وأنهم كانوا يتعهدونها بأنفسهم، ليس ذلك في كبرى الممالك وحدها، بل في صغراها أيضا، ومن ذلك أن ملك مملكة غولكندا الصغرى فيروز شاه كان يزاول علم النبات والهندسة والشعر ولا يحيط نفسه بغير العلماء والشعراء والمؤرخين مع أشاغيله في الحروب ضد دولة بيجانغر.

وعلى تلك السنة سار ملوك المغول، وهي التي كانت مشتركة بين جميع الدول الإسلامية في أوروبا وآسيا وأفريقيا كما أثبتنا ذلك في كتاب سابق.

صفحه نامشخص