يرى الهندوس لكل نهر صفة إلهية؛ لما يحمله من البركات، وما ينشره من الخيرات في الأمكنة التي يمر منها، ولكنك لا تجد نهرا قدس مثل نهر الغنج، وإن شئت فقل الغنغا كما يسميه الأهالي، ما عبدوه كإلاهة.
وينبع نهر الغنج، كأكثر روافده، فيما وراء همالية، ثم يجاوز همالية قبل أن يوغل في السهل، ويتألف نهر الغنج من السيلين: ألكنندا وبهاكي رتي المتدفقين من كتل الجليد التي يزيد ارتفاع محالها على أربعة آلاف متر، ويعد الهندوس من الأماكن المقدسة ذينك المصدرين والجبال التي تعلوهما، ويرون فيهما الخطوة الأولى لتاج شيوا، فطوبى للهندوسي الذي يستطيع أن يتسلق درجها مهما أصابه من نصب.
والأوربيون، على الخصوص، هم أول من ارتقى ذلك المعراج فوجدوا أن بهاكي رتي يتدفق من طاقه الجليدي، فلما رأى حجيج الهندوس، الذي كانوا يقفون دون مدخل المراتج
13
حتى أوائل هذا القرن، ذلك الإقدام تشجعوا على الارتقاء إلى ما هو أعلى فهلكوا حين ذهبوا لإتمام مناسكهم عند منابع ذلك النهر المقدس.
ويدعى المكان الذي يختلط فيه السيلان: ألكنندا وبهاكي رتي ب «الملقى الإلهي»، ويقوم هنالك معبد يزوره الهندوس كثيرا، وتجذب معابد هردوار الواقعة دون ذلك، وذلك في شهر مارس وشهر أبريل من كل سنة، مئات الألوف من الحجاج فيخيم حولها هؤلاء الذين قد يبلغ عددهم مليونين أحيانا، ولا يقصدها هؤلاء جميعهم عن تقوى مع ذلك، بل تجد بينهم من يؤمونها سعيا وراء الربح والغنم.
وتنبع جمنة، التي هي من أكبر روافد نهر الغنج، من جبال همالية غير بعيدة من منبعه، وتقدس جمنة كالغنج نفسه تقريبا، وفي مجمعهما قامت الله آباد «مدينة الله».
وأنشئت مدينة بنارس الشهيرة على شكل مدرج في الضفة اليسرى من النهر غير بعيدة من الله آباد، وبنارس هذه هي المدينة المقدسة بالمعنى الصحيح، وهي مركز الهند الديني وعاصمة البرهمية.
وكان من احترام الهندوس لنهر الغنج، أو «لأمهم الغنغا»، أن ثاروا على الإنجليز حينما حفروا قناة دوآب الصالحة للري وسير السفن، فحولوا المياه المقدسة إليها، وهذه القناة التي تسير من هردوار، وتنتهي إلى كان بور هي أعظم قنوات العالم التي من نوعها؛ لما تطلبه حفرها من كسح تراب كالذي تطلبه حفر قناة السويس.
ولم يكن الإنجليز أقل خطلا من الهندوس حينما حاولوا منعهم من إلقاء جثث موتاهم في نهر الغنج، فما فتئ الهندوس يمارسون هذه العادة ما تفلتوا من مراقبة قاهريهم، ويقوم ذلك على ربط الميت برمث
صفحه نامشخص