132

حضارة العرب

حضارة العرب

ژانرها

وراق مكان الفسطاط عمرو بن العاص، فعزم على جعله عاصمة له فحصنه بالأسوار مقيما عليه بيته، وقد ظل ذلك المكان عاصمة لمصر من زمن عمرو، أي منذ أكثر من اثني عشر قرنا.

ودل ما قام به عمرو بن العاص من تنظيم مصر على عظيم حكمته، وعامل عمرو بن العاص الفلاحين بما لم يعرفوه من العدل والإنصاف منذ زمن طويل، وأنشأ للمسلمين وحدهم محاكم منظمة دائمة ومحاكم استئناف، فإذا كان أحد الخصوم مصريا حق للسلطات القبطية أن تتدخل، واحترم عمرو بن العاص نظم المصريين وعاداتهم ومعتقداتهم.

ولم يمنع عمرو بن العاص من عادات المصريين سوى عادة اختطاف إحدى العذارى الحسان من أبويها في كل سنة، وقذفها في النيل؛ لكي يمن إله النيل على مصر بما تحتاج إليه من ارتفاع الماء وقت الفيضان، وقد استبدل عمرو بن العاص بتلك العادة العادة التي لا تزال موجودة إلى يومنا، وهي قذف تمثال خزفي، يدعى العروس، في النيل في يوم معين من كل سنة، وإني أرى من المحتمل أن تكون هذه العادة، التي ترجع في القدم إلى ستة آلاف سنة، قد أتت من عادة تقريب القرابين البشرية في الديانة المصرية الأولى.

وسار عمرو بن العاص في مصر على غرار عمر بن الخطاب في القدس، فشمل الديانة النصرانية بحمايته، وسمح للأقباط بأن يستمروا على اختيار بطرك لهم كما في الماضي، ومن تسامحه أن أذن للنصارى في إنشاء الكنائس في المدينة الإسلامية التي أسسها.

شكل 4-7: ساحة مسجد ابن طولون وحوضه ومئذنته (من تصوير إيبر).

وإذ لم يكن للمسلمين مساجد في مصر، وإذ زاد عدد من أسلم من النصارى، أقام عمرو بن العاص مسجدا جميلا على طراز الحرم المكي، ولا يزال المسجد الشهير الذي أنشأه قائما مع عدم اكتراث الحكومة المصرية لتصدعه.

ولم يكتف عمرو بن العاص بفتح مصر الدنيا، بل زحف بجيشه إلى بلاد النوبة، أي أوغل في إثيوبية الرومان القديمة على رأس عشرين ألف جندي، ولم تخرج هذه الحملة عن صفة الغزوات التي لا تؤدي إلى تنظيم جدي ما دام العرب لم يستقروا ببلاد النوبة استقرارا ثابتا، بل اقتصروا على غزوها بين وقت وآخر، ومع ذلك فقد اعتنق النوبيون دين العرب ولغتهم كما اعتنقهما المصريون، واليوم إذا نظرت إلى النوبيين، وقد أتيح لي أن ألتقط صورا فوتوغرافية لهم، رأيتهم قوما مختلفي الألوان والملامح، فمنهم البيض الذين ينتسبون إلى عرب الحجاز، ومنهم سود الجلود، ومنهم من هم حسنو الخلقة، ومن النوبيات من يشابهن مصريات العصر الفرعوني مشابهة عظيمة.

وغزا العرب، غير مرة بلاد الحبشة، أو القسم المجاور منها للبحر الأحمر على الأقل، فكان تأثيرهم فيها دون تأثيرهم في بلاد النوبة، فقد حافظ الأحباش، الذين انتحلوا النصرانية منذ القرن الرابع، على دينهم، وإن شاعت اللغة العربية بينهم وصاروا أخلاطا من الآدميين.

والمدة بين فتح العرب لمصر في سنة 639م وفتح الترك لها سنة 1517م نحو تسعمائة سنة تداولت حكم مصر في أثنائها تسع دول:

شكل 4-8: داخل مسجد ابن طولون (من تصوير إيبر).

صفحه نامشخص