الاحتياط في المقام وإنما الخلاف في وجوبه أو استحبابه، فالنافون للبراءة الأصلية على الوجوب والمثبتون لها على الاستحباب، والأخبار الدالة على الأمر بالاحتياط في الدين أوضح دلالة وأكثر عددا فالعمل بها أرجح البتة.
وأما قول: على أنا لا نعني بأصالة البراءة إلى آخره، فإن فيه أنه خروج عن ظاهر العبارة بل عن تصرفاتهم بذلك كما لا يخفى على من راجع كلامهم، فإن مرادهم بالإباحة هي الإباحة الأصولية التي هي عبارة عن عدم تعلق التكليف، لكن هذا القائل حيث استشعر الإيراد بالأخبار التي أشرنا إليها التجأ إلى القول بما ذكره، مع أن فيه أيضا أن الإباحة الشرعية أحد الأحكام الشرعية المتوقفة أيضا على الدليل، ولا دليل على إباحة ما لا نص فيه، والآية والخبر اللذان هما عمدة أدلة أولئك القائلين بالحجية قد عرفت ما فيهما.
وأما الأخبار التي استند إليها في عدم تعلق التكليف بنا حتى يظهر دليله، فهي محمولة على المعنى الأول من معنيي البراءة الأصلية كما ينساق للناظر من ظاهر ألفاظها لا المعنى الثاني منهما، لمعارضتها بالأخبار المستفيضة التي أشرنا إليها آنفا من حيث دلالتها على وجوب الكف والتثبت في كل فعل وجودي لم نقطع بجوازه عند الله تعالى.
وأما جوابه - بتخصيص الشبهة والتثليث في الأحكام بما تعارضت فيه الأخبار بناء على ظنه انحصار الدليل في مقبولة عمر بن حنظلة ونحوها - ففيه أن الأخبار دالة على ما هو أعم بل صريحة في الفرد الذي ندعيه، ومن ذلك ما رواه في الفقيه (1) من خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال: " إن الله حد حدودا فلا تعتدوها، وفرض فرائض فلا تنقصوها، وسكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا فلا تتكلفوها رحمة من الله لكم فاقبلوها، ثم قال (عليه السلام): حلال بين وحرام بين وشبهات
صفحه ۵۰