وقال الجاحظ: مررت بمعلم، وهو قد حبس ديكًا، وهو يضربه، ويقول له ألف شين، ألف شين، فقلت له: ما هذا؟ فقال لي: أعزك الله، انظر إلى تلك المزبلة، وأشار إلى مزبلة أمام مكتبه، فقال: أنا أنصب فيها فخاخًا؛ لصيد العصافير، فيأتي هذا الديك، فيلتقط الحب الذي أجعله لها، فقلت له: اش، فلا يفهمني، فقلت: لعله لا يعلم، وأردت أن أعلمه؛ حتى يفهمني.
ومات ولد لبعضهم، فقيل له: يغسله فلان، فقال: بيني وبينه عداوة متقدمة، وأخاف أن يرد غيظه على ابني فيهلكه.
واستعمل معاوية رجلًا من كلب على بعض الأعمال، فحضر عنده يومًا أهل علمه، وجرى ذكر المجوس، فقال الكلبي: لعن الله المجوس ينكحون أمهاتهم وأخواتهم والله، لو أعطيت ألف دينار ما نكحت أمي، فبلغ الخبر معاوية، فقال: قبحه الله، ما أظنه إلا لو زاده لفعل.
وكان بالبصرة مجنون يأوي إلى دكان خياط، وبيده قصبة، قد جعل في رأسها كرة، ولف عليها خرقة، لئلا يؤذي الناس بها، فكان إذا أحرجه الصبيان التفت إلى الخياط، فقال له: إنه قد حمي الوطيس، وطاب اللقاء، فما ترى؟ فيقول شأنك بهم، فيشد عليهم بالقصبة وهو يقول:
أشد على الكتيبة، لا أبالي ... أحتفي كان فيها أم سواه
فإذا أدرك منهم صبيًا، رمى الصبي بنفسه على الأرض، وأبدى له عورته، فيتركه وينصرف عنه، ويقول: عورة المؤمن حمى، ولولا ذلك لتلفت نفس عمرو بن العاص يوم صفين، ثم يقف ويناديهم:
أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه ... خشاش، كرأس الحية المتوقد
ثم يرجع إلى دكان الخياط، فيلقي القصبة من يده، ويقول:
فألقت عصاها، واستقر بها النوى ... كما قر عينًا بالإياب المسافر
ودخل أبو عتاب المصاب مع قوم يعودون مريضًا، فبدأ يعزي قومه، فقالوا: إنه لم يمت، فخرج وهو يقول: يموت إن شاء الله، يموت إن شاء الله.
وأغمي على رجل من الأزد، فصاح النساء، وبعث إلى أخيه، فوجده حيًا، فقال لهم: اغسلوه؛ فإنكم لن تفرغوا من غسله، حتى يقضي به.
ووعد رجل رجلًا من الحمقى بنعل حضرمية، فطال عليه الانتظار، فأخذ قارورة وبال فيها، ثم أتى إلى الطبيب فقال: انظر في هذا الماء، إن كان يهدي إلى بعض إخواني نعلًا حضرمية.
وكان عيناوة الأحمق جيد القفا، فربما مر به من يزيد العبث به، فيصفعه فجعل سحلًا في قفاه، وقعد على الطريق، فكان إذا ضرب أحد قفاه، قال له: شم يدك يا فتى، فلم يكن أحد يصفعه.
وقال الأصمعي: سوبق بين الخرنفش وهبنقة، أيهما أحمق؟ فجاء الخرنفش بحجارة خفاف من جص، وجاء هبنقة بحجارة ثقال وترس، فبدأ الخرنفش، فقبض على حجر، ثم رفع رأسه، وقال: الترس، ثم رمى بالحجر، فأصاب الترس، فانهزم هبنقة، فقال أصحابه: مالك انهزمت؟ فقال: إنه قال: الترس فأصاب الترس، فلو أنه قال: العين، أما كان يصيب عيني.
وتبع داود بن المعتمر امرأة ظنها من الفواسد، فقال لها: لولا ما رأيت عليك من سيماء الخير ما اتبعتك، فضحكت المرأة وقالت: إنما كان يعتصم مثلي من مثلك بسيماء الخير، وأما إذا صار سيماء الخير هو المعزي، فالمستعان الله.
وقال أبو دحية القاص: ليس في ولا فيكم خير، فتبلغوا بي، حتى تجدوا خيرًا مني.
وقال ثمامة بن أشرس: سمعت قاصًا ببغداد، وهو يقول: اللهم ارزقني الشهادة، أنا وجميع المسلمين.
ووقع الذباب على وجهه، فقال: ما لكم؟ كثر الله بكم القبور.
قال: ورأيت قاصًا يحدث بقتل حمزة، فقال: ولما بقرت هند عن كبد حمزة فاستخرجتها عضت عليها ولاكتها، ولم تزدردها، فقال النبي ﵇: لو ازدرتها ما مستها النار، ثم رفع القاص يديه إلى السماء وقال: اللهم أطعمنا كبد حمزة.
وتزوج مالك بن زيد فتاة من تميم، فلما دخل على امرأته، رأت منه الجفاء والجهل، فجلس ناحية منقبضًا، فقالت له: ضع شملتك، قال: بدني أولى بها، قالت: فاخلع نعليك، قال: رجلاي أحق بهما، فلما رأت ذلك، قامت وجلست إليه، فلما شم رائحة الطيب ارتاح لها.
وأرسل ابن العجل فرسًا له في حلبة، فجاء سابقًا، فقال لأبيه عجل كيف ترى أن أسميه؟ قال: افقأ إحدى عينيه، وسمه الأعور، وفيه يقول الشاعر:
رمتني بنو عجل بداء أبيهم ... وأي عباد الله أنوك من عجل
أليس أبوهم عار عين جواده ... فأضحت به الأمثال تضرب في الجهل
1 / 75