ومر رجل بحمار على المقابر، فنفر الحمار عند قبر منها، فقال: ينبغي أن يكون صاحب هذا القبر بيطارًا.
ورأى أبو عوانة قومًا قد صلبوا، فجعل يقول: هذا ما وعد الله، وصدق المرسلون، بارك الله لنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه.
وقال أبو العباس: اجتزت يومًا في بعض طرق بغداد، فإذا أنا بامرأة قد عرضت لي، فقالت: بالله، ما اسمك؟ فقلت: أحمد، قالت: وأنا أحب الغرباء فهل لك أن أزوجك جارية حسنة؟ قلت: نعم، قالت: وتلد ولدًا وتدعه ينصرف إلى المكتب، فيطلع يومًا للسطح، ويقع منه، وينشق رأسه ويموت، ثم صاحت وصرخت وبكت ولطمت وجهها، فخفت منها أن تكون مجنونة، فمضيت وتركتها، فرأيت شيخًا ينظر إلي على باب الدار، فقال لي: ما لك؟ فحدثته فقال: لا تأخذ عليها، ما الموت إلا مصيبة، ومن يرزق مثل صبرك؟ قال: فرأيت الشيخ أحمق منها.
وكان لبعضهم بغلة، فغضب عليها، وقطع عنها العلف، ثم ركبها فلم تستطع المشي، فقال لخادمه: ما بالها لا تمشي؟ قال: لأنك قطعت عنها العلف، قال: أعطها علفها، ولا تعلمها أني قلت لك شيئًا.
وجرى ذكر رجل، فقال آخر: هو رجل سوء، فقيل له: ومن أين تعلم هذا؟ قال: أفسد علي بعض أهلي، قيل: ومن هن؟ قال: أمي.
وكتب المنصور إلى عبد الله الحارثي، وهو والي البصرة: اقسم المال بين القواعد من النساء، وهن اللائي قعدن عن النكاح، وبين أهل الأعذار، فقال له رجل فقير: اكتبني في العميان، قال: اكتبوه؛ فإن الله تعالى يقول: (فإنها لا تعمى الأبصر ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)، قال: واكتب ابني في الأيتام، قال: نعم، من كنت أباه فهو يتيم، اكتب ابنه في الأيتام.
وقال ابن الماجشون: كان لي صديق فقدته زمانًا، ثم رأيته، فسألته: أين غاب؟ قال: كنت بالكوفة، فقلت: وكيف صبرت فيها وهم يشتمون أبا بكر وعمر؟ قال: يا أخي، صبرت لهم على ما هو أشد من هذا؟ قلت: وما هو؟ قال: فإنهم يفضلون الكتابي على معبد في الغناء.
وماتت جارية لبعضهم، فلما حملت جنازتها، جعل يقول: خدمت مولاك حق الخدمة في حياتك، وأنا اليوم أكافئك، اشهدوا أني قد حررتها لوجه الله تعالى.
ودخل رجل على مريض، فقال: (إنا لله وإنا إليه راجعون) إذا رأيتم العليل على هذه الصفة، فاغسلوا أيديكم منه، فقال له العليل: قم عني؛ فقد قتلتني.
قال رجل لآخر: قد أحكمت النحو كله إلا ثلاث لقطات أشكلت علي، قال له: وما هي؟ قال: أبا فلان وأبو فلان، وأبي فلان، ما الفرق بينهما؟ قال له صاحبه: أما أبو فلان فللملوك الأمراء والقضاة والحكام، وأما أبا فلان فللتجار وأرباب الأموال والوسط من الناس، وأما أبي فلان فللسفلة والأسقاط والأوباش من الناس.
وقال عبد الله بن طاهر: قلت مرة لرجل: كم اليوم من الشهر؟ قال: ليس أنا، والله، من هذه البلدة.
وختن محمد بن الخليل ولده، فقال للحجام: ارفق به، فإن هذه أول مرة ختناه.
ودخل بعضهم على رجل قد ذهب بصره، والناس يعزونه، فقال له: لا تغتم يا أخي؛ فلو رأيت ثواب ذلك لتمنيت أن يقطع الله يديك ورجليك، فقال له الرجل: فعل الله ذلك بك، وأجزل لك الثواب.
وقال بعضهم: مررت بمؤدب، والصبيان يضربونه، فتقدمت لأخلصه منهم، فقال: دعهم؛ فإنس أتسابق معهم. فإذا سبقهم ضربتهم، وإن سبقوني ضربوني، وهم اليوم قد سبقوني.
وقال صبي لأبيه: ما الذي يزرع حتى ينبت به الخرفان؟ قال: القرون، فجمع القرون وزرع، وما زال يسقيها شهرًا، فلم ينبت، فنبشها لينظرها، فلسعته عقرب، فقال: أنتم لم تنبتوا بعد، وصرتم تنطحوني.
وقال الشيباني: مررت ببهلول المجنون، وهو يأكل خبيصًا، فقلت له: أطعمني منه، فقال: والله، ما هو لي، قلت: فلمن هو؟ قال: لعائكة بنت الخليفة، بعثته لي؛ لآكله وحدي.
وحدث الوليد بن بكار قال: كان ابن إدريس عيبًا، وكان هو وجماعة يخرجون إلى العقيق يتنزهون، فكان أصحابه يبعثون إلي بيته على لسانه، فيأخذون ما يريدون، فعلم بذلك، فقال لهم: اجهدوا جهدكم؛ فقد قلت لأهلي: إذا جاءكم رأسي في طبق، فلا تبعثوا إلي بشيء، فمضى الرسول إلى أهله وعرفهم بهذا الكلام أمارة، وطلب لهم ما أراد، فأعطوه، فلما حضر ذلك بين يديه قال لهم: قد أعيتني الحيلة فيكم؛ فالله حسيبكم.
1 / 74