ودخل يومًا السوق، ليشتري نعلًا لابنته، فقال له: كم سنها؟ فقال: لا أدري، ولكنها في حجم الشجرة.
وجاء رجل من البادية إلى الحاضرة، فقالت له زوجته: اشتر لنا حصيرًا كاملًا، يفرش من الطارقة إلى آخر البيت، فلما وصل إلى الحاضرة، قال لصاحب الحصور: أعطني حصيرًا جيدًا كاملًا يفرش من الطارقة إلى آخر البيت، فقال له: كم يكون طوله من شبر؟ قال: لا أدري، هكذا قيل لي.
وقال بعضهم: صليت يومًا إلى جانب ابن الجصاص، فسمعته يدعو في إثر صلاته: اللهم اغفر لي ذنوبي، ما تعلمه منها وما لا تعلمه.
وقال: صليت يومًا إلى جانبه يوم جمعة، فلما قال الإمام: ولا الضالين، قال لي: لعمري، أراد بها آمين.
ودخل ابن الجصاص على المقتدر يومًا، والمقتدر قد حلق رأسه، ودهنه، فقال لي: يا أمير المؤمنين: دعني أقبل رأسك، قال: دعه الساعة؛ قإن عليه الدهن، قال: والله، أقبله، ولو كان عليه السحل.
وأخرج يده من الفراش في ليلة باردة، ثم أعادها إلى جسده في ثقل النوم، فأيقظته ببردها، فقبض على يده بيده الأخرى وصاح: اللص، وقد قبضت عليه، أدركوني، أدركوني؛ لئلا يكون عنده حديد، فأتوا بالسراج، فوجدوه وهو قابض على يده.
ودخل على ابن له قد مات، فبكى، وقال: كفاك الله يا بني محنة هاروت وماروت، فقيل له: وما هاروت وماروت؟ فقال: لعن الله النسيان، إنما أردت يأجوج ومأجوج، فسئل: وما يأجوج ومأجوج؟ قال: فطالوت وجالوت، قيل له: لعلك تريك منكرًا ونكيرًا؟ قال: والله ما أردت غيرهما، يريد ما أردت غيرهما.
وجاءت طباخته يومًا، فقال لها: ليس هذا يوم طعام ولا شراب، فأخبر ولده بذلك، فأتاه فوجده مفكرًا مطرقًا، فقال له: يا أبت، ما دهاك؟ قال: يا بني، فكرت في أمر، لو فكرت فيه قبل هذا ما هنأ لي عيش، قال: وما هو؟ قال: تمنيت على الله أن يخلقني امرأة، ويزوجني من أبي بكر في الجنة، فقال له ابنه: فهل تساميت بالأمنية إلى النبي ﷺ؟ قال: قد كنت ترمي عندي بالرفض، وأنا أدافع عنك؟ والآن صح عندي، قال: وكيف ذلك؟ قال: لأنك أردت أن أكون ضرة لعائشة ﵂.
ودخل عليه أهله يومًا، فوجدوه كالميت، فقالوا له: ما لك؟ قال: فكرت في كثرة مالي، وكثرة مصادرة السلطان في هذا الوقت وتعديه، فغلقت عيني، حتى أرى كيف صبري، فانتشبت، ولم أقدر على التخلص، حتى كدت أن أموت، لولا ما دخلتم علي.
وكان المعتضد يقول - إذا رأى ابن الجصاص -: هذا الأحمق المرزوق.
وقال ابن الجصاص يومًا: إني أتمنى أن أخسر، فقيل له: اشتر التمر بالكوفة، وبعه بالبصرة، فاتفق أن نخل البصرة لم تحمل في تلك السنة، فربح ربحًا عظيمًا.
وكان وهب الصيدلاني أكثر الناس غفلة، كتب إلى أبيه، وقد خرج يريد الحج؟ إن قدرت أن تضحي عندنا؛ للفرح بهذا العيد، فافعل.
وجاء إلى حجام، ليأخذ من شعره، فلما جلس بين يديه، ذكر أنه نسي منديل كمه، فقال وقال للحجام: لا تأخذ من شعري شيئًا، حتى أعود إليك.
وسقطت ابنته في البئر، فقال: لا تبرحي، حتى آتي بمن يخرجك.
وأتاه ساكن في دار له، فقال له: قد انفتح الكنيف، قال: قد رأيته منذ عامين، فعلمت أنه ينفتح، ولكني ما ظننت أنه ينفتح بهذه السرعة، وإلا كنت أتغداه قبل أن يتعشاني.
وتبخر في ثيابه فاحترقت، فحلف بالطلاق ألا يتبخر إلا عريان.
وجاء ليكسر لوزة، فخرجت من تحت الحجر، فقال: كل شيء يفر من الموت حتى البهائم.
ووقف مغفل على باب داره يبكي، فقال له بعض أصحابه: ما شأنك؟ قال: ولدي الكبير افتصد، فغرق المبزق في ذراعه، وجرى دمه.
وجاء رجل الواعظ، وكان مغفلًا، فوجده يبكي بكاء شديدًا، وقال له: ادع الله؛ فقد ارتكبت أمرًا عظيمًا، قال: وما هو؟ قال: أريد كتمه عن الناس، فأدنني منك، فأدناه وأعطاه أذنه، فقال: إني نكحت بقرة، فأعلى الواعظ صوته وقال: أمنوا على دعائي؛ فإني أدعو الله لهذا الخاطئ أن يتوب عليه؛ فإنه نكح بقرة، فغظى الرجل وجهه وانصرف.
وكان أبو علقمة الصوفي، يجمع الصبيان ويدهن رؤوسهم، ويخرج لهم ريحًا، والصبيان يضحكون، فقيل له في ذلك، فقال: ليس لي شيء أعطيهم. وأحييت أن أفرحهم بهذا، حتى ينصرفوا مسرورين.
1 / 71