وقال الجاحظ: أتت امرأة إلى معلم بولدها، وكان المعلم طويل اللحية، براق العينين، قبيح الوجه، فقالت: إن هذا الصبي عازم ألا يطيعني، فأحب أن تفزعه، فأخذ المعلم لحيته، وألقاها في فمه، ونفخ شدقيه، وبرق عينيه، وحرك رأسه، وصاح صيحة، فأخرجت المرأة ريحًا من الفزع، وقالت: إنما قلت لك: أفزع الصبي، لا إياي، قال لها: مري يا حمقاء؛ إن البلاء إذا نزل أهلك الصالح والطالح.
وقال الأصمعي: مررت بمعلم بالبصرة يضرب صبيًا، ثم أقام الصبيان صفًا، وجعل يدور عليهم ويقول: اقرأوا، فلما وصل إلى الصبي المضروب قال للذي إلى جانبه: قل له: يقرأ؛ فإني لست أكلمه.
وقال طلحة بن عبيد الله: دخلت يومًا على كثير في نفر من قريش، وكنا كثيرًا ما نهزأ به لحمقه، فقلنا له: كيف تجدك يا صخر؟ وكان مريضًا، فقال: بخير، هل سمعتم الناس يقولون شيئًا؟ قلت: نعم، سمعت الناس يتحدثون أنك الدجال، قال: أما والله، إني لأجد في عيني ضعفًا منذ أيام.
وقال الأصمعي: كان أبو حية النمري جبانًا مع حمق وبله فيه، وكان له سيف سماه لعاب المنية، فدخل تحت سريره كلب، فظن أنه لص، وسمعه جار له وهو يقول: أيها المغتر المجترئ علينا، بئس ما اخترت لنفسك، خير قليل، وسيف صقيل، وهو لعاب المنية الذي سمعت به، مشهورة ضربته، لا تخاف نبوته، اخرج بالعفو عنك، قبل أن أدخل بالعقوبة عليك، إني إن أدع قيسًا ملأت الأرض عليك خيلًا ورجالًا، سبحان الله، ما أكرمها وأطيبها، وخرج الكلب، فقال أبو حية: الحمد لله الذي مسخك كلبًا، وكفاني حربًا.
وقال الشعبي: ما شبهت تأويل الروافض إلا بتأويل رجل مصفوف من بني مخزوم من أهل مكة، وجدته قاعدًا بفناء الكعبة، فقال لي: يا شعبي، ما عندك في تأويل هذا البيت؟
بيت زرارة محتب بغنائه ... ومجاشع أبو الفوارس نهشل
فإن بني تميم يغلطون فيه، ويزعمون أنه إنما قيل في رجال منهم، فقلت له: وما عندك أنت؟ قال: البيت هو هذا البيت، وأشار إلى الكعبة، وزرارة الحجز زر حول البيت، ومجاشع زمزم، جشع بالماء، وأبو الفوارس هو أبو قبيس جبل مكة، قلت له: فنهشل؟ قال: هذا أشدها، ففكر طويلًا ثم قال: قد أصبته، هو مصباح البيت طويل أسود، وهو النهشل.
وقال رجل لغلامه: أي يوم صلينا الجمعة؟ ففكر ساعة، وقال: يوم الثلاثاء.
وكان الجصاص يسبح في كل يوم، فيقول: نعوذ بالله من نعمه، ونتوب إليه من إحسانه، ونسأله عوائق الأمور، سبحان الله، وحسبي الله والملائكة الكرام، اللهم أدخلنا من دعائه في بركة القصور على قبورهم، سبحان الله، قبل الله، سبحان الله.
وركب أحمقان في زورق واحد، فتحركت الريح، فقال أحدهما: غرقنا، والله، فقال الآخر: قل: إن شاء الله، قال: لا أستثني.
وقال الجاحظ: دخلت على مؤدب، ورأسه في حجر صبي، وفي أذنه خرقة معلقة، وكان المؤدب أصلع، والصبي يكتب في رأسه، ويمحوه بالخرقة، ثم يكتب مرة أخرى، فقلت له: ما هذا الذي يصنع الصبي في رأسك؟ قال لي: يا فلان، هذا الصبي يتيم، وليس له لوح، ولا ما يشتريه، فأنا أعطيه رأسي يكتب فيه؛ ابتغاء ثواب الله.
وكان في زمان ابن عباد أحمق، يخرج كل يوم إلى السوق، وينادي بأعلى صوته: أغنى الله الأغنياء ليشكروا، فلم يشكروا، وأفقر الفقراء ليصبروا، فما صبروا، حرم هؤلاء، وحرم هؤلاء.
وكان أحمق يمشي في الأسواق في زمان البرد، ويصيح: ما هذا صواب، ولا في المدينة احتساب، يؤخذ الحر كله ويجعل في الحمامات، وتترك الدنيا بالبرد.
وخطر أحمق بغرناطة الآن، ويعرف بفاضت، على جماعة، فقالوا له: فاضت، قال: إي والله، فاضت، إن زرادًا وقميصًا ويحيي ماتوا وبقي البلد كله على أكتافي.
وسئل رجل كان ينظر في الفرائض، عن فريضة، فالتمسها في كتابه، فلم يجدها، فقال: هذا الرجل لم يمت، ولو كان مات لوجدت ذلك في كتابي.
وقيل لرجل: كيف برك بأمك؟ قال: ما ضربتها - والله - بسوط قط.
وقيل لأبي مروان عبد الملك: لأي شيء تزعم أن أبا علي الإسواري أفضل من سلام بن المنذر؟ قال: لأنه لما مات سلام بن المنذر مشى أبو علي في جنازته، ولما مات أبو علي لم يمش سلام في جنازته.
وأراد أبو سنان الحج، فبكى أولاده، فقال لهم: لا تبكوا؛ فإني أرجو أن أضحي عندكم.
1 / 69