ومر بشار برجل في عنقه غل، فقال الرجل، الحمد لله، فقال بشار: استزده يزدك.
وكان رجل يقول الشعر، فيستبرده قومه، فكان يحمل ذلك منهم على الحسد، فقال لهم: بيني وبينكم بشار، فأتى، فأنشده، فلما فرغ قال له بشار: أظنك من أهل بيت النبوة، فقال: وكيف ذلك؟ قال: إن الله ﷿ يقول: (وما علمنه الشعر وما ينبغي له) فضحك القوم وانصرفوا.
وسمع مزيد جارًا له يضرب غلامه، وهو يستغيث، فخرج إليه، وقال له: ما لك تضرب هذا الغلام؟ فقال له: ذنبه عظيم، قال: وما ذنبه؟ قال: سرق حبلًا، حج به أبي، واعتمرت به أمي، فقال: والله لو سرق الكعبة حتى يبقى الناس بلا حج، وما وجب عليه هذا؟ وقال منصور بن عمار يومًا في مجلسه: اللهم اغفر لأعظمنا ذنبًا، وأقسانا قلبًا، وأقربنا بالخطيئة عهدًا، وأشدنا إصرارًا على الذنب، فقال مزيد: امرأته طالق إن كان أراد بهذا كله إلا إبليس، فإن هذه الخصال كلها فيه.
ودخل مزيد على خالصة المغنية، فرأى مكتوبًا في بعض جانب البيت: آدم وحواء، فقال: ما هذا؟ قلت: سمعت أن الشيطان، لا يدخل بيتًا، مكتوب فيه: آدم وحواء، قال: يا خالصة، دخل عليهما، وهما في جوار رب العالمين، فكيف لا يدخل بيت مغنية.
وشكا رجل إلى مزيد سقوط أسنانه، فقال: الذنب منك، لا لك؛ لأنك تقرأ القرآن، والله تعالى يقول: (إنا سنلقى عليك قولا ثقيلًا) .
وخرج سالم بن عبد الله متنزهًا بأهله وحرمه، فبلغ أشعب الخبر، فوافى الموضع، فصادف الباب مغلقًا، فتعلق بالحائط، فقال له سالم: ويلك يا أشعب، تكتشف على عيالي وبناتي؟ قال: (قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد)، فأخرج له من الطعام، فأكل وحمل.
وقال الأصمعي: رأيت أعرابيًا شيخًا، متعلقًا بأستار الكعبة، وهو يقول: يا رب، أنا سفلة من خلقك، وضيع محروم، فمن أنا يا رب حتى تعاقبني؟ فبعزك إلا رحمت ضعفي، وخشيت وذلي، وفقري وناقتي وحرماني وشؤمي وشماتتي، وتفضلت علي، وغفرت لي.
وتغدى الفاخري مع بعض أشراف المدينة، وكان بخيلًا، فلما أحضرت الغداء، قال: يا غلام، هات الدجاجة، فجاء بقدر فيها دجاجة، فلما أكلا منها يسيرًا، قال: يا غلام، ارفع، فلما كان في العشاء فعل مثل ذلك، فقال الفاخري: ما أظن هذه الدجاجة إلا من آل فرعون، قال: وكيف ذلك؟ قال: (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا) .
ودخل أعرابي على سليمان بن عبد الملك، وبين يديه جام فيه فالوذج، فقال: ادن يا أعرابي فكل؛ فإن هذا مما يزيد في الدماغ، قال: لو كان الأمر كما تقول، كان رأس الأمير مثل رأس البغل.
ونظر أعرابي إلى جنازة، والناس يقولون: كان سبب موته التخمة، فقال الأعرابي: وما التخمة؟ قيل له: أكل كثيرًا فمات، فقال الأعرابي: اللهم اجعل موتي من التخمة.
وضل لأعرابي جمل، فبينما هو يطلبه، إذ رأى في باب الأمير بختيًا، فتعلق به وادعاه، فقيل له: جملك عربي، وهذا بختي، فقال: كان عربيًا فبتخت عند الأمير، فرفع خبره إلى الأمير، فضحك، وأمر له به.
ودخل أعرابي على معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين، أعطني البحرين، قال: لست لها بأهل، قال: فاستعملني على البصرة، قال: صاحب أخذته لها، لا أريد عزله، قال: فهب لي ألف درهم وقطيفة، قال: مد أمرت لك بذلك، فلما رجع الأعرابي إلى أهله قيل له: رضيت بعد سؤالك البحرين بألف درهم وقطيفة؟ قال: اسكتوا، فوالله لولا ذلك ما أعطيت شيئًا.
وحج أعرابي، فسبق الناس، فطاف بالبيت وصلى ركعتين، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم اغفر لي، قبل أن يدهمك الناس.
ووقفت امرأة على قوم يصلون جماعة، فقرأ الإمام بعض آيات السجود، فسجد وسجدوا، فقالت: صعق الناس، ورب الكعبة.
وصلى رجل بقوم من الأعراب في شهر رمضان، فقام في الصلاة، وخلفه نسوة خلف صف الرجال، فقرأ: "وأنكحوا الأيامى منكم" وأرتج عليه فكررها مرارًا، فلما انصرفوا، قالت امرأة منهن لأخواتها: والله، ما زال يأمرهم بنا حتى خشيت أن يثبوا علينا.
وكان أعرابي من بني ضبة، إذا توضأ بدأ بوجهه فيغسله، ثم يغسل فرجه بعد ذلك، فقيل له في ذلك، فقال: والله، لا أبدأ بالخبيث قبل وجهي.
1 / 63