ورفع قوم غريمًا لهم إلى بعض القضاة، فقالوا: لنا عليه كذا وكذا دينارًا، فقال: نعم، لهم عندي ذلك، إلا أني سألتهم أن يؤخروني أيامًا يسيرة؛ حتى أبيع عقاري وغنمي وبقري وإبلي، وأدفع لهم ما عندي، فقالوا: كذب، والله، ما عنده شيء من ذلك، قال: فاشهد لي عليهم، بأنهم شهدوا لي، أني فقير عديم، فقال القاضي: ركبوه حمارًا، ونادوا عليه ألا يعامله أحد، ففعلوا ذلك النهار كله، فلما كان العشي، قال له صاحب الحمار: أعطني أجرة الحمار، قال: فيم كنا اليوم كله؟ فمضى وتركه.
وارتفع خصمان إلى سوار القاضي، وكان سوار يبغض أحدهما، فقال له: يا ابن اللخناء، قال: كذلك خصمي، قال خصمه: احكم لي عليه، قال: نعم، خذ له بحقه مني، وخذ لي بحقي منك، فندم سوار، وسأله الصفح.
ولما أراد شيرويه قتل أبيه، وجه إليه من يقتله، فلما دخل عليه قال: إني أدلك على شيء يكون فيه غناك، وذلك لوجوب حقك علي، قال: وما هو؟ قال: الصندوق الفلاني، فذهب إلى شيرويه فأخبره الخبر، فأمر بإخراج الصندوق، فوجد فيه ربعة، وفي الربعة حق، وفي الحق حب، وعلى الحق مكتوب: من أخذ منها حبة عاش من غير مضرة ولا ضعف، فطمع شيرويه في صحته، فأخذه وعوضه به، ثم أخذ منه حبة، فكان هلاكه فيها.
ومرض مولى لسعيد بن العاص، ولم يكن له من يخدمه، ويقوم بأمره، فبعث إلى سعيد فأتاه فقال: ليس لي وارث غيرك، وها هنا ثلاثة آلاف درهم مدفونة، فإذا مت فخذها، فقال سعيد حين خرج من عنده: ما أرانا إلا قد أسأنا لمولانا هذا، وقصرنا في تعاهده، وهو من شيوخ موالينا، فبعث إليه من يخدمه ويتعاهده، فلما مات، اشترى له كفنًا بثلاثمائة درهم، وحضر جنازته، فلما رجع حفر الموضع كله، فلم يجد شيئًا، وجاء صاحب الكفن، وطلب ثمنًا، فقال: لقد هممت أن أنبش عليه.
وجاء رجل إلى أبي حنيفة فشكى إليه أن أودع عند بعض الناس المشهورين بالأمانة والديانة مالًا، وأنه أنكر الوديعة، وكان ذلك المستودع يعتني بأبي حنيفة، فقال أبو حنيفة للرجل: تعود لي، وخلا أبو حنيفة بالرجل الذي أودع عنده، فقال له: إن هؤلاء قد بعثوا إلي يستشيرونني فيمن يصلح للقضاء، فهل تنشط لذلك؟ فتمانع الرجل قليلًا، وأقبل أبو حنيفة إليه يرغب فيه، ثم انصرف عنه، وهو طامع في القضاء، ثم جاء الرجل صاحب الوديعة في أبي حنيفة فقال أبو حنيفة: اذهب إلى الرجل، فقال له: احسبها، أنسيت الحال، وأنا أودعتك في وقت كذا، والعلامة كذا، فذهب الرجل وقال له ما أمره به، فرد عليه الوديعة، فلما رجع ذلك الإنسان إلى أبي حنيفة قال له: إني نظرت في أمرك، فرأيت أن أرفع قدرك، ولا أسميك؛ حتى يحضر ما هو أجل من هذا.
وجاء رجل إلى أبي حنيفة فشكا إليه أن دفن مالًا، في موضع ولا يذكر الموضع، فقال أبو حنيفة: ليس هذا فقهًا، فأحتال لك، ولكن اذهب، فصل لربك الليلة، فإنك ستذكره إن شاء الله، ففعل الرجل ذلك، فلم يقم إلا أقل من ربع الليل، حتى ذكر الموضع، فجاء إلى أبي حنيفة فأخبره، فقال: قد علمت أن الشيطان لا يدعك أن تقوم ليلتك حتى يذكرك، فهلا أتممت ليلتك شكرًا لله تعالى.
وأقبل رجل إلى أبي حنيفة وقال له: إن لصوصًا دخلوا علي، وأخذوا مالي، وحلفوني بالطلاق ألا أسميهم، وخرجوا عني، فقال أبو حنيفة: أحضر لي إمام مسجدك والمؤذن والمشهورين من جيرانك، فأحضرهم، فقال لهم أبو حنيفة: هل تحبون أن يرد الله على هذا متاعه؟ قالوا: نعم، قال: فاجمعوا كل داعر ومتهم، وأدخلوهم في دار أو في مسجد، ثم أخرجوهم واحدًا واحدًا، وقولوا له: هذا من لصوصك؟ فإن لم يكن منهم فيقول: لا، وإن كان منهم فيسكت فاقبضوا عليه، ففعلوا ذلك، فرد الله عليه ماله.
وقال أبو حنيفة: احتجت وأنا بالبادية إلى ماء، فجاءني أعرابي، ومعه قربة من ماء، فأبى أن يبيعها إلا بخمسة دراهم. فدفعت له ذلك، وقبضت القربة، ثم قلت: يا أعرابي، هل لك في سويق؟ قال: نعم، فأعطيته سويقًا ملتوتًا بزيت، فجعل يأكل حتى امتلأ، فعطش، فقال: شربة ماء، فقلت: بخمسة دراهم، فأعطاني خمسة دراهم في قدح من ماء، وبقي بقية الماء ربحًا.
وجاءت امرأة إلى أبي حنيفة فقالت: إن زوجي حلف بطلاقي أن أطبخ قدرًا فيه مكوك ملح، ولا يتبين طعم الملح فيما يؤكل منها، قال: خذي قدرًا، وألقي فيه مكوك ملح، واسلقي فيه بيضًا، فإنه لا يوجد طعم الملح في البيض.
1 / 57