وكان بعض الظرفاء إذا رأى ثقيلًا قال: قد جاءكم الجبل، فإن جلس عندهم قال: قد وقع عليكم.
وسمع الأعمش كلام ثقيل فقال: من هذا الذي يتكلم، وقلبي يتألم.
وسلم ثقيل على بعض الثقلاء، فقال: وعليك السلام شهرًا.
وجلس ظريف عند ثقيل، فسئل عن ذلك، فقال: كانت نفسي قد عزت علي، فأردت أن أهينها بذلك.
وقيل لظريف كان له ثلاثة أولاد ثقلاء: أي أولادك أثقل؟ فقال: ليس بعد الكبير أثقل من الصغير إلا الوسط.
وقال زياد بن عبد الله: قيل للشافعي: هل يمرض الروح؟ قال: نعم، من ظل الثقلاء. فقال: فمررت به يومًا، وهو بين يدي ثقيلين، فقلت: كيف الروح؟ قال: في النزع.
ومن ملح ابن عباد، أنه خرج يومًا مع جملة وزرائه الأدباء، فاجتازوا بأشبيلية بالموضع الذي يباع فيه الجير والجبس، فلقي جارية من أجمل النساء وأقلهم [هكذا] حياء، قد كشفت عن وجهها، فأقبل ابن عمار، وقال له: يا ابن عمار الجيارين، فقال له: نعم يا مولاي والجباسين، وضحكا معًا، فعلم من حضر أنهما لم يريدا أن يعرفا كل واحد منهما صاحبه بما ذكر. وسألوا ابن عمار عن مرادهما بذلك، فقال له ابن عباد: لا تبعها منهم إلا غالية، ثم إن ابن عمار أخبرهم أن ابن عباد أعجبه حسن الجارية، وعابها بقلة الحياء فحصف "الحياء زين" فجاء منه "الجيارين" وصفحت أنا "والخناشين" فجاء منه "والجباسين"، فاستغربوا من حضور أذهانهما وحسن كنايتهما.
ودخل قوم على النضر بن شميل، يعودونه في مرض، فقال له رجل يكنى أبو صالح: مسخ الله ما بك، فقال: لا تقل: مسخ بالسين، ولكن بالصاد، بمعنى أذهب، وهو كلام العرب، فقال أبو صالح: إن السين تبدل من الصاد، كالصراط والسراط، وسقر، وصقر، فقال له النضر: فأنت إذن أبو سالح، فخجل الرجل.
ووقفت امرأة على قيس بن سعد بن عبادة ﵁ فقالت له: أشكو إليك قلة الجرذان بداري - وهي الفئران - فقال: ما أحسن هذه الكناية، املأوا لها بيتها برًا لحمًا وسمنًا، وبيان ذلك أن الفئران لا يقمن بالموضع الذي ليس فيه طعام.
وأخذ المعني أبو حفص الوراق، فكتب رقعة إلى الصاحب بن عباد، منها: "وحال عبد مولانا في الحنطة مختلفة، وجرذان داره عنها منصرفة، فإن رأى أن يخلط عبده بمن أخصب رحله، فعل، إن شاء الله، فوقع الصاحب فيها: أحسنت يا أبا حفص قولًا، وسنحسن فعلًا، فبشر جرذان دارك بالخصب، وأمنها من الجدب فالحنطة تأتيك في الأسبوع، ولست من غيرها من النفقة بممنوع".
ووجد أعرابي سراويل في طريق، فظنها قميصًا، فأدخل يديه في ساقيها، والتمس من أين يخرج رأسه، فلم يجد، فرمى بها وقال: هذا قميص شيطان.
ومن نوادر أشعب قال سالم بن عبد الله بن عمر ﵁ لأشعب: ما بلغ بك من طمعك؟ قال: لم أنظر لاثنين يتحدثان في شيء إلا قدرت أنهما يأمران لي بشيء.
وقال له ابن أبي الزناد: ما بلغ من طمعك؟ قال: ما زفت بالمدينة امرأة إلى زوجها، إلا كنست بيتي، رجاء أن يغلط بها إلي.
وكانت عائشة بنت عثمان كفلته مع ابن أبي الزناد، فقال أشعب: تربيت معه في مكان واحد، فكنت أسفل ويعلو، حتى بلغنا ما ترون.
وقيل لعائشة بنت عثمان: هل آنست منه رشدًا؟ فقالت: أسلمته منذ سنة يتعلم البز، فسألته بالأمس: أين بلغت في الصناعة؟ قال: تعلمت نصف العمل، وبقي نصفه، تعلمت النشر في سنة، وبقي تعلم الطي، فكيف يؤنس رشده.
وساوم أشعب رجلًا فني قوس بدينار، فقال أشعب: والله، لو كنت إذا رميت بها طائرًا، وقع في حجري مشويًا بين رغيفين، ما اشتريتها بدينار.
ووقف إلى رجل يعمل طبقًا فقال له: أسألك الله إلا ما زدت فيه طوقًا أو طوقين. فقال له الرجل: ولم ذلك؟ قال: لعله أن يهدى لي يومًا فيه شيء.
ثم قال: دعوا هذا، امرأتي أطمع مني ومن الراهب، فقيل: وكيف حالك؟ قال: إ، ها قالت لي: ما يخطر على قلبك شيء يكون بين الشك واليقين إلا وأنا أتيقنه.
وقبل له: أرأيت أطمع منك؟ قال: كلبة آل فلان، رأت رجلًا يمضع علكًا، فتبعته فرسخين، تظن أنه يأكل شيئًا.
وقيل له: ما بلغ بك الطمع؟ قال: أضجرني الصبيان يومًا، فقلت: أشغلهم عني، فقلت لهم: إن بموضع كذا عرسًا، فامضوا نحوه، فلما ذهبوا، قلت في نفسي: ولعل ثم عرسًا، فتبعتهم.
1 / 52