وأتي عبد الملك بن مروان بأسير، فدعا بالسيف والنطع، فوافق ذلك دخول صغار بني عبد الملك باكيًا، قد ضربه المؤدب، فانزعج لذلك عبد الملك، وأرادوا تسكينه، فقال الأسير: دعوا الغلام ما أنت فيه عن هذا القول؟ قال: ما ينبغي أن يشغل المؤمن عن النصيحة شيء إلا أن يعوق عائق، قال: خلوا سبيله.
وجاز المنصور يومًا، والفرج بن فضالة جالس على باب الذهب، فقام الناس جميعًا، ولم يقم الفرج، فاستشاط المنصور غضبًا، ودعا به، وقال: ما منعك من القيام؟ قال: خفت أن يسألني الله تعالى: لم فعلت؟ ويسألك: لم رضيت؟ وقد كره رسول الله ﷺ ذلك، فسكن غضبه، وقربه، وقضى حاجته.
وبلغ هشام بن عبد الملك عن رجل فيه شيء قبيح، فأحضره، فتكلم بحجته، فقال له هشام: وتتكلم أيضًا؟ فقال يا أمير المؤمنين يقول الله ﷿: (يوم تأتى كل نفس تجدل عن نفسها)، فنجادل الله جدالًا، ولا نتكلم إليك كلامًا؟ فقال هشام: تكلم بما شئت.
وعربد غلام هاشمي، فشكوه إلى عمه، فأراد عمه أن يوقع به الحد، فقال: يا عم: إني أسأت، وليس معي عقلي، فلا تسيء إلي ومعك عقلك، فصفح عنه.
وجلس موسى بن عبد الملك للمظالم، فدخل عليه أهل شهرين، وفيهم سهل بن عاصم، فتظلموا إليه من عاملهم، وسهل ساكت، فقال له موسى: إن قال سهل كما قلتم صرفته عنكم، ثم قال: ما تقول يا سهل؟ قال: أقول: أعزك الله، إنه لم يظلمنا، ولكن الله أمر فينا وفي أمثالنا بالعدل والإحسان، فعدل فينا، ولم يحسن، ولن تصلح أحوالنا إلا بالإحسان، فقال موسى: قد صرفته عنكم، ووليتك عليهم فاعدل وأحسن.
وأقبل بعض السلاطين، فقام إليه رجل، فقال له: لم قمت؟ فقال: لأقعد، فولاه عملًا، واتخذه لنفسه.
وقيل لأعرابي: ما فعل بنوك؟ قال: أكلهم دهر لا يشبع، يعني ماتوا.
وقيل لأحد الزهاد: لم تحب الدراهم، وهي تدنيك من الدنيا؟ قال: هي وإن أدنتني من الدنيا، فقد صانتني عنها.
وكان في بني الجراح فتى خليع ماجن، فأراد العبث بأبي العيناء فنهاه نصاحه، فأبى، فقالوا له: شأنك به، فقال له: يا أبا العيناء، متى أسلمت؟ قال: حين كفر أهلوك، وأبوك الذين لم يؤدبوك، قال له الفتى: إذن علمت أنا ما أسلمت، فقال أبو العيناء: شهادتك لأهلك دعوى، وشهادتي عليهم بلوى، وستعلم أي السلاطين أقوى، وأي الشياطين أغوى، وسيعلم أهلك ما خبأ عليهم جهلك.
وأقبل رجل إلى الأعمش، فقال: يا أبا محمد، إني اكتريت حمارًا بنصف درهم، وجئتك لتحدثني، قال: اكتره بالنصف الثاني، وارجع: فما أريد أن أحدثك.
وكان عقال بن سليمان يروي الحديث، فقال له بعض من حضر: إن رأيت أن ترفع صوتك؛ فإن بسمعي ثقلًا، فقال له: الثقل في كل شيء منك، ليس في سمعك.
وقال رجل لابن عمران المختار بن عبيد الله يزعم أنه يوحى إليه قال: صدق، يقول الله ﷿: (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم) .
وقال رجل ليونس بن حبيب: ما بالي إذا تذاكرتم الحديث نعست قال: لأنك حمار في مسلخ إنسان.
وكان للمغيرة بن عبد الله الثقفي، وهو والي الكوفة جدي كل يوم يوضع على مائدته، فحضر يومًا أعرابي، فمد يده إلى الجدي، وأسرع فيه، فقال له المغيرة: إنك تأكله أكل حنق عليه كأن أباه نطحك، فقال له الأعرابي: وأنت تشفق عليه كأن أمه أرضعتك.
وقال معاوية لعبد الله بن عباس: لي عندك حاجة يا أمير المؤمنين أفتقضيها لي؟ فقال له: نعم، فقال له ابن عباس: سل حاجتك يا أمير المؤمنين، قال: أريد أن تهب لي دورك وضياعك التي بالطائف، قال: قد فعلت، فقال له معاوية: قد وصلت الرحم، فسل حاجتك، قال: حاجتي إليك أن تردها إلي، قال معاوية: قد فعلت.
وقال رجل لثمامة بن أشرس: لي إليك حاجة، قال: وأنا لي إليك حاجة أفتقضيها؟ قال: نعم، قال: فإن حاجتي إليك ألا تسألني حاجة.
وكان أشعب يختلف إلى قينة يعلمها، فطلبت منه درهمًا، فانقطع عنها، فعلمت له دواء، ولقيته به، فقال لها: ما هذا؟ فقالت له: دواء علمته لك تشربه لهذا الفزع الذي بك، قال: اشربيه أنت للطمع، فلو انقطع طمعك، لانقطع فزعي.
ورمى المتوكل عصفورًا بالبندق، فلم يصبه، فقال ابن حمدون: أحسنت يا أمير المؤمنين، فقال المتوكل: أتهزأ بي؟ كيف أحسنت؟ قال: إلى العصفور الذي تركته.
1 / 20