ومر شبيب بن زيد رئيس الخوارج، بغلام في الفرات، فقال له: اخرج يا غلام أسائلك، وكان أراد قتله، فقال له الغلام: أمني حتى ألبس ثيابي، فأمنه، فقال: والله، لا ألبسها اليوم، قال شبيب: خدعتني، وانصرف عنه.
وحكى بعض البصريين أن عمر بن أسد صاحب السند قال: غزوت بعض بلاد السند، فوجدت شيخًا كبيرًا، ومعه غلام، فسألته عن الناس، فقال: إن أردت أن أدلك عليهم، فاقتل هذا الغلام؛ لئلا يخبر بأمري، فأموت بضرب عنقه، ثم سألت الشيخ فقال: لو كانوا تحت قدمي ما رفعتها عنهم، وإنما خفت أن تسأل الغلام فيدلك عليهم، قال: فقتل الشيخ ولم يخبر.
وقال بعضهم: ورد الخبر على المنصور بخروج محمد بن عبد الله وأخيه إبراهيم، وهو يريد المدينة، فنظر إلى شجرة صغيرة يقال لها الخلاف، فقال للربيع: ما اسم هذه الشجرة؟ فقال: اجتماع يا أمير المؤمنين، فعلم أنها خلاف، وأعجبه قول الربيع.
ونظر المأمون إلى جارية له، وبيدها سواك، فقال لها: كيف تجمعين مسواكًا؟ قالت: محاسنك يا أمير المؤمنين، فاستحسن ذلك منها.
وأتي الحجاج بالغضبان بن القبعثري، وبيد الحجاج لقمة، فقال: والله لا أكلتها حتى أقتلك، قال الغضبان: وخير من ذلك -أصلحك الله أيها الأمير، تطعمنيها، ولا تقتلني، فتكون قد بررت في يمينك، ومننت علي، فقال الحجاج: ادن مني، فدنا منه، فأطعمه إياها، وخلى سبيله.
ويروى أن الحجاج مر في طريق المدينة بأعرابي، فقال له الأعرابي: ما وراءك أيها الركب؟ قال: خير قوم الحجاج، فقال الأعرابي: (إنا لله وإنا إليه راجعون) دمره الله وأهلكه، قال: ولم؟ قال: يخرجها كما أخرب مكة عليه لعنة الله، فنزع الحجاج عمامته عن رأسه، وقال: أنا الحجاج، فقال الأعرابي: وأنا ميمون غلام كرعان، أصرع في اليوم ثلاث مرات، فضحك الحجاج ومضى وتركه.
وكان مزيد يداخل بعض ولاة المدينة، وكان لطيف المحل عنده، فأبطأ عنه يومًا، فلما جاء، قال له: ما الذي أبطأك عني؟ قال: جارة لي كنت أهواها منذ زمان، فظفرت بها البارحة، وتمكنت منها، فهذا الذي حبسني، فغضب الوالي وقال: والله لآخذنك بإقرارك فلما عزم عليه قال: فاسمع مني تمام حديثي. قال: وما هو: قال: فلما أصبح خرجت لطلب معبر، يعبر لي رؤياي، فلم أجده، فهذا الذي أبطأني عنك، قال: في المنام - ويلك - رأيت هذا؟ قال: نعم، فسكن غضبه.
وحكى رجل عن شريك قال: رأيت أبا حنيفة وعنده حجام، يأخذ من شعره، فقال أبو حنيفة: خذ البياض من شعري، فقال له الحجام: إذن يكثر، فقال أبو حنيفة: فخذ السواد لعله يكثر، فضحك شريك، وقال: لو ترك أبو حنيفة قياسه في موضع، لتركه مع الحجام.
وجاء قوم إلى أبي حنيفة، فقالوا: ما تقول في رجل وجد معه طنبور، هل يجب عليه تأديب؟ قال: لا، قالوا: ولم قد وجد معه آلة الفسوق، قال: فكل واحد منكم معه آلة الزنا، فهل يجب عليكم حد؟ فانقطعوا.
وجاء رجل فوضع بين يديه عسل فيه نبيذ، على باب المسجد بالكوفة، وجعل ينادي: من يشتري مني كذا وكذا رطلًا بدرهم، وكان أبو حنيفة قد أحل النبيذ، فلما سمع أبو حنيفة قوله، قال: يا هذا، إنك فعلت قبيحًا، قال: أنت أحللته. قال: صدقت: ومن الحلال أن ينكح أبوك أمك في وسط السوق، ولكن يكون قبيحًا.
ودخل معن بن زائدة على المنصور، فقارب في خطوه، فقال له المنصور: كبرت يا معن، قال: في طاعتك يا أمير المؤمنين، قال: وإن فيك لجلدًا قال: على أعدائك يا أمير المؤمنين، قال: وإن فيك لبقية، قال: هي لك يا أمير المؤمنين.
ورأى المنصور بعض أولاد الأشتر، فهم بقتله، فقال: يا أمير المؤمنين ذنبي أعظم من نقمتك، وعفوك أوسع من ذنبي، فإن لم أكن للعفو لسوء ما أتيته أهلًا، فأنت له أهل، فاستحسن قوله، وعفا عنه.
وأسر يوم الجمل رجل، فأتي به علي بن أبي طالب ﵁، فقال له: ويلك، وأنت ممن ألب علينا، فقال الأشتر: دعني أضرب عنقه، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، لأن تلقى الله، وقد عفوت عني خير من أن تلقاه، وقد شفيت غيظك، قال: اذهب حيث شئت.
وأتي الحجاج برجل من الخوارج، فأمر بضرب عنقه، فقال له: أخرني يومًا، قال: ما تريد بذلك؟ قال: أؤمل فيه عفو الأمير، مع ما تجري به المقادير فتركه.
1 / 19