ونشأته حتّى مبعثه، وما جاء بعد ذلك من دعوة النّاس إلى الدّين القيّم، وما لقي ﷺ في سبيل نشر هذا الدّين من عنت ومعارضة، وما جرى بينه ﵊ وبين من عارضوه من صراع بالبيان والسّنان، وذكر من استجاب له، حتّى علت راية الحقّ، وأضاءت شعلة الإيمان.
تاريخ التّأليف في السّيرة وأشهر كتبها:
إنّ أوّل ما يلفت الانتباه في سير الأنبياء أنّ السّيرة النّبويّة أصحّ سيرة لتاريخ نبيّ مرسل، ولم نعرف على مدى التّاريخ البشريّ كلّه أمّة من أمم الرّسل عليهم الصّلاة والسّلام، سعدت بمثل ما جاء في القرآن الكريم عن الرّسالة والرّسول، ولا حظيت بمثل تلك المجموعة الثّمينة من الأحاديث النّبويّة، ذلك السّجل الخالد، بل كانت هناك حلقات مفقودة في حياة رسلها، لا يمكن البحث عنها، والاهتداء إليها.
أمّا خاتم الرّسل محمّد ﷺ فهو الرّسول الّذي نعرف عنه كلّ دقيق وجليل، ونعرف عنه من دقائق الأخلاق والصّفات، والميول والرّغبات، والقول والعمل، ما لا نعرفه عن غيره من النّبيّين عليهم الصّلاة والسّلام.
ومن رحمة الله تعالى أن كانت هذه الأمّة تملك قوّة الذّاكرة، وسرعة الحفظ والاستظهار، ممّا يسّر لها الجمع والاستحضار، ولا عجب في ذلك فقد بهرهم الوحي بقوّة بيانه، وأخذ عليهم مشاعرهم بسطوة سلطانه، واستأثر بكريم مواهبهم في لفظه ومعناه، فكان الحفظ في الصّدور، والتّدوين في السّطور، وكانت الصّبغة الّتي شاء الله أن تكون.
لقد اهتمّ المسلمون الأوائل اهتماما كبيرا بأحاديث رسول الله ﷺ وسننه الفعليّة والقوليّة، قبل أن تدوّن الأحاديث تدوينا عامّا في آخر القرن الأوّل الهجري- ولم يكن قد دوّن في تاريخ العرب أو السّيرة شيء إلى أن مضت أيّام الخلفاء الرّاشدين- فكتب الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى عامله على المدينة أبي بكر بن محمّد بن حزم- وهو من كبار المحدّثين- طالبا منه أن يدوّن أحاديث رسول الله ﷺ في كتاب وزّعه على البلاد الإسلاميّة.
وقد قام المحدّثون بعدها بجمع أحاديث رسول الله ﷺ في كتب لا تلتزم منهجا معيّنا في التّرتيب والتّصنيف، ولم تخل كتبهم من ذكر ما يتعلّق بسيرة النّبيّ ﷺ وحياته ومغازيه ومناقبه وما إلى ذلك. وقد استمرّ هذا المنهج حتّى بعد انفصال السّيرة عن الأحاديث في التّأليف.
ثمّ صنّفت في السّيرة النّبويّة مصنّفات خاصّة بها. وقد كان في مقدّمة المؤلّفين في السّيرة أربعة:
١- عروة بن الزّبير (المتوفّى سنة ٩٣ هـ)، وكان فقيها، محدّثا، عالما بالحديث، معروفا
1 / 14